عنوان الفتوى : ما حكم ترجمة خطبة الجمعة بين الخطبتين؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

يوجد مسجد يصلي فيه الجمعة خطيبان، أحدهما عربي يقف ويخطب، ثم يجلس ثم يسير المستمع إلى الأمام، ويترجم الخطبة، وهو واقف ثم يعود إلى مكانه، ثم ينهض العربي، ويخطب الخطبة الثانية، ثم يصلون ركعتين، خلال ذلك يتحدث العربي مع المستمع، أو مع شخص آخر عندما يريد معرفة الوقت، ويقرأ هو والمترجم الأوراق. كما يتحدث إليهم بين الخطبة والصلاة لأغراض مهمة وغير مهمة. هل أي شيء من هذا يبطل الصلاة؟ لقد أخبرتهم أنه يجب عليهم الترجمة قبل الأذان أو بعد الصلاة، لكنهم لم يستمعوا، وانزعجوا، كما إنهم فعلوا ذلك في صلاة العيد.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

أولا:

السنة الثابتة في خطبة صلاة الجمعة أن تكون خطبتين بينهما جلسة يسيرة ، كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا " رواه البخاري (928)، ومسلم (861) ولفظه عنده: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ".

وهذه الجلسة خفيفة.

قال ابن حجر:

" وقَدَّرها من قال بوجوبها بقدر جلسة الاستراحة، وبقدر ما يقرأ سورة الإخلاص، واختلف في حكمتها ، فقيل : للفصل بين الخطبتين . وقيل : للراحة ، وعلى الأول وهو الأظهر يكفي السكوت بقدرها" انتهى من "فتح الباري" (2/406).

ثم ينزل الإمام من على المنبر، ويصلي ركعتين جهرًا .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" وكان صلى الله عليه وسلم يقوم فيخطب، ثم يجلس جلسة خفيفة، ثم يقوم فيخطب الثانية، فإذا فرغ منها أخذ بلال في الإقامة " انتهى من "زاد المعاد" (1 / 416).

فقيام شخص لترجمة الخطبة قبل الصلاة، عمل لا يصح؛ لأنه بهذا التصرف لا يخرج عن حالين:

إما أن تكون هذه الترجمة كخطبة ثالثة، فيكون تغييرًا لهيئة العبادة .

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ   رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أن حديث: ( الأعمال بالنيات ) ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء " انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/176).

وراجع للأهمية جواب السؤال رقم: (327932).

وإما أن تكون هذه الترجمة كفاصل بين الخطبتين، وهذا أمر يبطل الموالاة، وهي شرط لصحة خطبة الجمعة.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" فصل: والموالاة شرط في صحة الخطبة، فإن فصل بعضها من بعض، بكلام طويل، أو سكوت طويل، أو شيء غير ذلك يقطع الموالاة، استأنفها.

والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة " انتهى من "المغني" (3/181).

وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (19 / 178 - 180):

" واتفق الفقهاء على بعض الشروط لصحة الخطبة، وهي: …

الموالاة بين أركان الخطبة، وبين الخطبتين، وبينهما وبين الصلاة.

ويغتفر يسير الفصل، هذا ما ذهب إليه الجمهور، أما الحنفية فيشترطون أن لا يفصل بين الخطبة والصلاة بأكل أو عمل قاطع، أما إذا لم يكن قاطعا، كما إذا تذكر فائتة وهو في الجمعة فاشتغل بقضائها، أو أفسد الجمعة فاحتاج إلى إعادتها، أو افتتح التطوع بعد الخطبة فلا تبطل الخطبة بذلك؛ لأنه ليس بعمل قاطع، ولكن الأولى إعادتها، وإن تعمد ذلك يصير مسيئا " انتهى.

والحاصل:

أنه إما أن يخطب الخطيب بلغة الناس، -وهذا الأولى-، أو يخطب بالعربية، ثم يترجم هو الخطبة بنفسه بعد إلقائها بالعربية، إما أن يترجم الخطبة الأولى بعدها، ثم الثانية بعدها، أو يخطب الأولى بالعربية، وتكون الثانية بلغته، إن كان يحسن ذلك.

فإن لم يحسن الخطيب إلا العربية، ولم يكن في القوم من يخطب فيهم بلغتهم : خطب بالعربية، ثم تكون الترجمة بعد الصلاة وينصرف منهم من شاء، ويستمع إليها من أراد.

وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم: (327932).

ثانيا:

أما كلام الخطيب مع غيره أثناء الخطبة: فالأصل أنه ممنوع، وعلى هذا مضت السنة، وجرى عمل الناس.

لكن إن عرض أمر يستوجب ذلك، أو دعت إليه مصلحة: جاز للإمام أن يتكلم مع من يحتاج إلى الكلام معه.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" وكان – صلى الله عليه وسلم - يقطع خطبته للحاجة تعرض، أو السؤال من أحد من أصحابه، فيجيبه، ثم يعود إلى خطبته، فيتمها.

وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة، ثم يعود فيتمها، كما نزل لأخذ الحسن والحسين رضي الله عنهما، فأخذهما ثم رقي بهما المنبر، فأتم خطبته " انتهى من "زاد المعاد" (1/413).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" فلا يجوز للإمام أن يتكلم كلاما بلا مصلحة، فلا بد أن يكون لمصلحة تتعلق بالصلاة، أو بغيرها مما يحسن الكلام فيه، وأما لو تكلم الإمام لغير مصلحة، فإنه لا يجوز.

وإذا كان لحاجة: فإنه يجوز من باب أولى، فمن الحاجة أن يخفى على المستمعين معنى جملة في الخطبة فيسأل أحدهم عنه، ومن الحاجة أيضا أن يخطئ الخطيب في آية خطأ يحيل المعنى، مثل: أن يسقط جملة من الآية، أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى.

والمصلحة دون الحاجة، فمن المصلحة مثلا إذا اختل صوت مكبر الصوت فللإمام أن يتكلم، ويقول للمهندس: انظر إلى مكبر الصوت ما الذي أخله؟ وكذلك من يكلم الإمام للمصلحة والحاجة يجوز له ذلك... " انتهى من "الشرح الممتع" (5 / 107 – 108).

فإن لم تكن هناك حاجة ولا مصلحة فلا يجوز؛ لأن الخطبة مطلوب فيها على الخطيب الإرشاد والوعظ، وعلى المستمعين الإنصات، كما سبق في جواب السؤال رقم: (6366).

على أن مجرد الكلام لا تبطل به الجمعة، وإنما يفوت بسببه الأجر.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" قوله: ( ولا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا له أو لمن يكلمه )، إذا قيل: لا يجوز فهي عند العلماء بمعنى يحرم، وعلى هذا فالكلام والإمام يخطب حرام...

مع أن الذي يقول له: أنصت، ينهى عن منكر، ومع ذلك يلغو، ومن لغا فلا جمعة له.

ومعنى ( ليست له جمعة ) أي: لا ينال أجر الجمعة، وليس معناه أن جمعته لا تصح، وأجر الجمعة أكثر من أجر بقية الصلوات " انتهى من "الشرح الممتع" (5/ 106–107).

والله أعلم.