عنوان الفتوى : هل اختيار الإنسان يخرج عن قضاء الله وقدره؟
ذهبت للدراسة في دولة، ثم قُبض قلبي ولم أستطع أن أكمل، رغم عدم تواجدي هناك إلا لثلاثة أسابيع.
لكن في السنة التي بعدها عدت لنفس الدولة التي خرجت منها، وأنا الآن أدرس فيها.
وإلى الآن لم أستوعب، ولم أستطع أن أعرف هل هو قدر، أو أن رزقي تأخر، أم أنا السبب في كل هذا؟
الندم استحكم في، ولم أعد أستطيع فعل أي شيء دون التفكير في ندمي.
فهل ما حصل قضاء وقدر وتأخير رزق، أم هو باختياري؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في أن ما حصل إنما هو بقضاء وقدر، وهو في الوقت نفسه كان باختيار صاحبه، فمع إيماننا بقدر الله تعالى، فإننا نثبت للعبد اختيارا يصح معه تكليفه ومجازاته، ومدحه أو ذمه، ولومه أو شكره، وهو مع ذلك لا يخرج عن قضاء الله تعالى وقدره! وهذا يوافق الواقع المحسوس في تمييز الناس بين الفعل الاختياري، كتحرك الإنسان لفعل ما يريد، وبين الفعل الاضطراري كحركة المرتعش والمحموم. والتكليف والمجازاة، إنما تكون على الأول دون الثاني.
وراجع في ذلك، الفتاوى: 435100، 153131، 422863.
وعلى أية حال، فينبغي للسائل أن يهتم بالحاضر، ولا يلتفت إلى الماضي، وليرح قلبه، ويتدبر قول الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22-23].
واعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم.
قال أبو العباس القرطبي في المفهم: يعني: إن الذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله، والرضا بما قدره الله تعالى. والإعراض عن الالتفات لما مضى وفات. اهـ.
والله أعلم.