عنوان الفتوى : الرفق والتلطف مطلوبان في الدعوة إلى الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيوخنا الأفاضل..: إذا كنت جالسة في مكان وكان هنالك نساء يغتبن أخريات يجلسن خلفي... فماذا علي أن أفعل، هل أنهاهم عن المنكر أم أحاول ألا أسمع حديثهم، علما بأنني في مرات عندما نهيت إحداهن قالت لي إن ما تقوله ليس نميمة وأنه لا يجب علي أن أعلق على كل شيء، علما بأنني إذا سمعت إحداهن تتحدث عن أحد أقول لها مثلاً (لا تتكلموا على الناس) أو (اتركوا المخلوقة في حالها) أو (غيروا الموضوع)، وتحدث مناوشات في بعض الأحيان وأحس أن هذا يضايق بعضهن... وطبعاً عندما أقول لهم هذا الكلام فإن غيري يسمعه (من يجلسون معنا في نفس المكان)، فهل يجب علي أن أقول لها مثلا فيما بعد بدون أن يسمعنا أحد لا تتكلمي على الناس فإن هذا حرام وأنا أخاف عليك من العقاب، أو أقول لها ذلك في وجهها حتى لو سمعنا الآخرون، وهل يعد من الغيبة مثلا إذا قالت المرأة فلانة (تقهرني) لأن فيها صفات لا تعجبني، فهل هذا يعد غيبة إذا لم تقل ما هي هذه الصفات، أم أنها بكلامها توحي بأنها امرأة غير جيدة في عملها مثلا، وهل يعد (الإيحاء) بأن شخصاً ما سيئ في عمله أو فيه صفات غير جيدة من الغيبة إذا لم يتم ذكر الصفات السيئة... إن هذا الأمر سبب لي الكثير من المشاكل خصوصاً مع أقرب الناس مني وبعض الزميلات في المدرسة، وإذا سمعت كلاماً منكراً من أحد الأقارب وكان أكبر مني وهو (شخص بالغ)، فهل يجب علي أن أنهاه إذا كان يترتب على نهيي للمنكر كلام سيئ في حقي وسب واحتقار ومشادات كلامية، صدقوني كثير من المشاكل حصلت جراء نهي عن المنكر وأنا لا أريد من الناس أن يكرهوني أو يتضايقون مني، وهل يعد الكلام الذي ذكرته أعلاه عن هؤلاء الناس من الغيبة إذا كان بقصد الاستفسار عن الحكم والفتوى، والمعذرة على الإطالة، وأرجو رد الجواب في أسرع وقت ممكن؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنرجو الله أن يتقبل منك غيرتك للدين ونهيك عن المنكر، واعلمي أن واجب المسلم إذا رأى منكراً أن يغيره حسب الطاقة امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم وغيره.
والغيبة هي أحد المنكرات الشديدة التي نهى الله عنها، قال الله تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:12]، وقال تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة:1].
وينبغي لمن ينهى عن المنكر أن يعامل الناس بالرفق ويتلطف في دعوته لهم، فذلك أزكى عند الله، وأدعى إلى الاستماع إليه، ففي الصحيحين من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب الرفق في الأمر كله. وعنها أنه قال: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه.
ثم إذا لم ينتهوا وجب على الإنسان أن يفارقهم، قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء:40].
ثم عما إذا كانت الألفاظ المسؤول عنها من الغيبة أم لا، فإن الغيبة قد عرفها العلماء بأنها ذكر المرء أخاه بما يكره، ففي الحديث: قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره.
فالعبارات التي ذكرت إذا كان فيها أي نوع من الاستهزاء فإنها تعد غيبة، وكذا الإيحاء بأنها امرأة غير جيدة، وراجعي فيه الفتوى رقم: 41438، وقد تباح الغيبة لأسباب تمكنك مراجعتها في الفتوى رقم: 6710.
واعلمي كذلك أن تغيير المنكر يجب ولو كان مرتكبه أكبر من المنكر، ولكن لكل مقام مقالاً، فمن تخاطب من هو أكبر منها سنا تحتاج من المرونة في اللفظ واللين في الأسلوب والخضوع والتواضع أكثر مما لو كانت تخاطب من هي في سنها أو أصغر منها.
ولا يردنك ما يوسوس به لك الشيطان من أنك إذا نهيت عن المنكر سيكرهك الناس أو يتضايقون منك، أو ستجدين مشاكل، هذا يمكن أن تجدي مثله من أهل الشر فقط، أما أهل الخير فسيحبونك لما تقومين به، وعلى افتراض أن الناس سيكرهونك فإن ذلك لا يثني المؤمن عن أداء واجبه، فطريق الجنة محفوف بالمكاره.
والله أعلم.