عنوان الفتوى : نذر المعصية، والتحلل منه

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

فضيلة الشيخ -إن شاء الله- هذا آخر سؤال يتعلق بالنذر.
في الفتوى التي أجبتموني عليها فضيلتكم، رقم الفتوى: 449758. قلتم إن رد الفتاة علي ليس حراما؛ لأنني قلت لكم: (ردت علي ولم ترغب بالحديث معي) وأظنكم فهمتم مني أنها قالت إنها لا ترغب بالحديث معي.
لقد أخطأت الشرح؛ لأن ما حدث أن الفتاة لم تقل لي إنها لا ترغب بالحديث معي، وحينما ردت علي تحدثت معها ما مجموعه من 5 إلى 15 دقيقة، أسألها عن أحوالها ودراستها وهي تجيب. أول 5 دقائق كانت تجيب بسرعة، ثم أصبحت آخر 10 دقائق تتأخر بالرد علي، فظننت أنها إما فقدت الانتباه لي بسبب أسلوبي الذي كان فظا، أو لأن لديها شخصا تحبه؛ لذلك لم تتفاعل معي. ثم أرسلت لها رسالة ولم ترد عليها، ثم بعد ساعتين أو في اليوم الموالي -لا أذكر تماما- أرسلت لها: (لا أحب أن لا تردي على رسالتي) فردت، وتحدثنا عدة دقائق، واختفت. وبعد ذلك لم أحدثها. هل هذه التفاصيل تجعل نذري بأن ترد علي، نذر معصية؟
وإن لم يكن نذر معصية. فما رأيكم هل يمكنني الأخذ بهذا القول، واعتبار نذري معصية؟
واعْلَمْ أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ: إنَّ كَلَامَهُمْ نَاطِقٌ بِأَنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِالْقُدُومِ، نَذْرُ شُكْرِهِ عَلَى نِعْمَةِ الْقُدُومِ، فَلَوْ كَانَ قُدُومُ فُلَانٍ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ لِلنَّاذِرِ كَأَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ أَمْرَدَ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، فَقَدْ نَقَلُوا عَنْ الرُّويَانِيِّ، وَأَقَرُّوهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ هَلَكَ مَالُ فُلَانٍ أَعْتَقْت عَبْدِي، لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ. وَكَمَا أن طَلَبَ هَلَاك مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ، كَذَلِكَ طَلَبَ قُدُومَ مَنْ مَرَّ، فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.
وان كان أيضا لا يؤثر، هل يمكنني الأخذ بقول الشافعية إن ردها علي حرام، واعتبار النذر معصية؟
آسف يا شيخي على إلحاحي، ولكن الله وحده يعلم ما أعاني، وكمية المصائب التي لدي. أتمنى منك إن كان هنالك مخرج لهذا النذر أن تدلني عليه؛ لأنني لست معلقا فقط لصوم الاثنين والخميس عليه، بل علقت أشياء أخرى.
وأيضا بعد عدة سنوات أرسلت لها كتابة: أريد أن أخطبك، فقالت: لا أفكر في هذا الموضوع.
هل يتحقق النذر هنا أيضا بعد سنوات أم لا؟ لأن نذري يتعلق بموقف حينما لم ترد علي أيضا؟
وشكرا شيخي الكريم.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما تعانيه والمصائب التي لديك ليس حلها أن تنذر وتسأل وتكرر ذلك! وإنما حلها أن تتوقف تماما عن النذر، فلا تحتاج إلى سؤال، ولا سيما في الأمور التافهة، فضلا عن المكروهة والمحرمة.
وأما ما نقلته عن الأذرعي: فمحل خلاف ونظر حتى عند الشافعية أنفسهم، فقد ردَّ كلامه زكريا الأنصاري في (أسنى المطالب)، واعتبره سهوا منه. مَنْشَؤُهُ اشتباه الملتزم بالمعلق به، والذي يشترط كونه قربة الملتزم لا المعلق به، والملتزم هنا الصوم، وهو قربة فيصح نذره سواء أكان المعلق به قربة أم لا.
ورضي ذلك الخطيب الشربيني في مغني المحتاج، وتعقبه ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى، بما نقله السائل.
ويؤيد كلام زكريا الأنصاري مذهب المالكية.

فقد جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: (و) كره (المعلق على غير معصية)... (وإلا) بأن علق القربة على معصية (حرم) ووجب تركها (فإن فعلها أثم، ‌ولزم ‌ما ‌سماه) من القربة في المعلق. اهـ.
وقال الزرقاني في شرحه على مختصر خليل، في باب الإيلاء: ليس ‌النذر معصية قطعًا، وإنما علق ‌على ‌معصية ولو بحسب المعنى. وما كان كذلك يلزم، كما تقدم في باب اليمين وفي ‌النذر. اهـ.
والذي نراه في حق السائل أنه يسعه اعتبار ذلك من نذر المعصية، وبالتالي لا يلزمه، ولكن يتحلل منه بكفارة يمين، لحديث عائشة مرفوعا: لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين. رواه أحمد والأربعة.
وحديث عمران بن حصين مرفوعا: النذر نذران: فما كان من نذر في طاعة الله، فذلك لله وفيه الوفاء. وما كان من نذر في معصية الله، فذلك للشيطان ولا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين. رواه النسائي.
وقال البجيرمي في حاشيته على الخطيب: الحاصل أنه إن كان المنذور معصية أو مباحا لم ينعقد. وإن كان المعلق عليه معصية أو مباحا، فإن تعلق به حث أو منع، أو تحقيق خبر أو كان فيه إضافة إلى الله -تعالى- كان يمينا لا نذرا، فتجب فيه بالحنث كفارة. فتأمل. اهـ.
والله أعلم.