عنوان الفتوى : القرآن الكريم كلام معجز لفظًا وأسلوبًا ولا يشبه كلام الكهّان
رأيت مقطعًا لشخص يتكلّم عن الإسلام، وقال: إن الإسلام لا يكرم المرأة، وقال في أثناء كلامه: إن هناك كاهنة تسمى: زبراء الكاهنة، ثم ذكر مقولة لهذه الكاهنة، وقال: إن الكاهنة قالت هذه المقولة قبل مجيء الإسلام بفترة طويلة، ثم انتابني الشك والحيرة، وأريد معرفة معنى قولها، ولماذا هو مشابه لقول الله عز وجل؟
قالت: "واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق، إن شجر الوادي ليأدو ختلًا، ويحرق أنياباً عصلًا، وإن صخر الطود لينذر ثكلًا، لا تجدون عنه معلًا، فوافقت قومًا أشارى سكارى"، فلماذا قولها مشابه لقول الله، وهي قالت هذه المقولة قبل الإسلام؟ وكيف تقدر أن تأتي بنفس أسلوب القرآن الكريم؟ أرجو منكم الرد بوضوح؛ لأنني أصبحت شاكًّا، وفي حيرة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فتشبيه مثل هذا الكلام بالقرآن، لا يصدر عن عربي فصيح، يتقن لغة العرب، ويميز بين مراتبها، وطبقات أهلها! فالقرآن ليس مجرد ألفاظ مسجوعة، ولا عبارات مرصوصة، وإنما هو كلام:
معجز في لفظه، وأسلوبه: بيانًا وفصاحةً، بلاغة وجزالة، نظمًا وتركيبًا.
ومعجز في معناه، وتشريعاته: إحكامًا ونظامًا، إجمالًا وتفصيلًا، توافقًا وتصديقًا، عدلًا وإصلاحًا.
ومعجز في أخباره: صدقًا في الماضي، وتحققًا في المستقبل.
ومعجز في تأثيره، وهدايته، فأخرج الله به أمة ضالة جاهلة متناحرة، ليس فيها حضارة ولا مدنية تذكر، تعيش على هامش الحياة؛ فأخرجها من الظلمات إلى النور؛ حتى فتحت الأرض شرقًا وغربًا، وأحلّت الإسلام محل حضارات الأرض، وجمعت بين الفارسيّ والروميّ، والقبطيّ والحبشيّ، والتركيّ والبربريّ، في نظام واحد، رغم تعدد اللغات، واختلاف الأعراق، وتناقض العادات، وسابق العداوات.
وصار أتباعه أئمة يقتدى بهم: علمًا وحلمًا، رحمةً وعدلًا، دعوةً وفتحًا، إلى غير ذلك من أوجه الأعجاز.
ولو كان مثل هذا الكلام الذي نقله السائل يشتبه بالقرآن؛ لما عجز فصحاء العرب عن معارضة القرآن لمّا تحداهم بالإتيان بمثله، أو بعشر سور منه، أو بسورة واحد، فلم يستطيعوا، وراجع في ذلك الفتويين: 27843، 20138.
ثم إن كلام (زبراء الكاهنة) هذا، إنما هو من نقل القصّاص، والأخباريين، الذي لا يصحّ سنده، وكثير منه مصنوع موضوع، وإنما يروَى في كتب الأدب والأخبار، لا على سبيل الاستدلال، وإنما على سبيل الحكاية، أو التسلية؛ ولذلك لا يعتنون بصحة إسناده، أو ثبوته. وهذا الخبر مثال على ذلك، فقد رواه القالي في أماليه، من طريق "هشام بن محمد، عَنْ أبي مخنف، عَنْ أشياخ من علماء قضاعة".
وهذا إسناد واهٍ جدًّا، على ما فيه من إعضال، وجهالة! فأبو مِخْنَف لوط بن يحيى، معروف بالرواية عن المجاهيل.
قال ابن معين: ليس بِثقة. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال الدارقطني: أخباري ضعيف.
وهشام بن محمد الكلبي: قال أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سمر، ونسب، ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه. وقال الدارقطني، وغيره: متروك. وقال ابن عساكر: رافضي، ليس بثقة. كما في ميزان الاعتدال.
وأما قضية تكريم المرأة في الإسلام، فقد سبق لنا تناولها من عدة جهات في كثير من الفتاوى، منها الفتاوى: 5729، 292819، 16441، 136201، 265297، 278251.
والله أعلم.