عنوان الفتوى : لا ينبغي للمرء تحميل نفسه مسؤولية التقصير فيما ليس له فيه يد
شعر والدي بألم في فم المعدة بعد صلاة الظهر. وظنه تعبا عاديا، وكلم عمتي الصيدلانية، فقالت له: اشرب ينسون ونعناع، وأعطته أدوية للمعدة.
وظل هكذا لغاية الليل.
والدي من النوع الموسوس، يعني لو تعب قليلا يمكن أن يكلم أكثر من أحد لاستشارته؛ لأن معظم عائلتنا دكاترة. لكنه في هذا اليوم لم يكلم أحدا.
والدتي قالت له أكثر من مرة: كلم بنت أختك الدكتورة، فقال لها: لا. طيب، كلم ابن أختك الدكتور. قال لها أيضا: لا. طيب، اتصل بمحمد ابنك؟ قال لها: لا، لا تقلقيه. ظنا منه أن الموضوع لا يتعدى ألما في المعدة، وأنه شيء بسيط وسينتهي. وكان واعيا، ويقوم بشكل عادي. ووالدتي قاست له الحرارة بعد فترة فكانت 35، لكنها ظنت أن عنده هبوطا، وسقته ماء بسكر.
وأنا ابنه في هذا اليوم لم أتصل به، وكنت في إجازة من العمل. وفكرت في أن أذهب إليه، لكن كان هذا اليوم يوم الأربعاء، وأنا معتاد أن أزوره في يوم الخميس، فقلت لنفسي: أستريح اليوم وسأذهب إليه غدا، وعمتي قالت لي: لقد كلمته الساعة 9 بالليل قبل أن أنام، وقال لي: لقد أصبحت طيبا.
ولم يطلب مساعدة من أحد، لكن عند تمام الساعة 12 بعد منتصف الليل، وجدت أن والدتي تكلمني وتقول لي إنه تعبان جدا، وقالت لي: تعال. هو يريد أن يراك قبل أن يموت؛ لأن الموضوع تطور معه وتعب أكثر. فأنا ساعتها لم أقصر وجريت، وأرسلت على مجموعة العمارة استغاثة لكي يلحقه أحد أسرع مني؛ لأني أسكن بعيدا. وبالفعل نزل جاري وأتى بدكتور من مستشفى قريب من البيت. الدكتور قال: السكر عال، ونبضه ضعيف، ولا بد أن يدخل العناية المركزة لضبط السكر، ونقلناه فورا للمستشفى، وقال لي الدكتور: هو جيد، وطلب مني أن أمشي وآتي في الصباح؛ لأن حالته مستقرة ولا خوف عليه، لكني رفضت أن أتركه، لكن بعد أقل من 10 دقائق حصل ما لم يكن في الحسبان، فقد توقف القلب فجأة، والدكاترة حاولوا أن يعملوا له إنعاشا رئويا ونجحوا، ورجع القلب مرة أخرى يعمل، لكنه دخل في غيبوبة، ووضعوه على جهاز التنفس الصناعي، وبعدها بساعتين توفي. وبمناقشة الطبيب قال لي إنه لو كان نُقل إلى المستشفى من الظهر لكنا لحقناه، ولم يكن قد مات، ولذلك فأنا أحمل والدتي الذنب؛ لأنها لم تبلغني أنه تعبان في الوقت المناسب. وأحمل نفسي الذنب؛ لأني لم أتصل به، أو أزوره في هذا اليوم، يمكن لو هذا حصل لكنت قد لحقته وأنقذته.
السؤال هنا: لو كنت عرفت أنه تعبان بسرعة، ونقلناه إلى المستشفى بشكل مبكر. هل كان يمكن أن يعيش وكان القدر قد تغير، ولم يمت؟
أرجو الرد؛ لأن هذا الموضوع حرفيا عذبني نفسيا، ولا أعرف ماذا أفعل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرحم الله أباك رحمة واسعة، وعليك أن تجتهد في بره والإحسان إليه بعد موته بالصدقة عنه، والدعاء له، وأي قربة وهبتم ثوابها له، فإن ذلك ينفعه بإذن الله، وانظر الفتوى: 111133.
أما سؤالك عن مدى مسؤوليتكم عما حدث، فلا نستطيع الحكم الجازم في ذلك؛ لعدم اطلاعنا على ما حصل بالفعل.
لكن الظاهر- والله أعلم- أنك أنت ووالدتك لم يكن منكما أي تقصير، وليس أحد مسؤولا عما جرى بحال، فلا ينبغي أن تحملوا أنفسكم مسؤولية ما لم ترتكبوا، ثم هذا قدر الله تعالى، وقد مات أبوك حين حان أجله، والله لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها، فالحمد لله على كل حال.
وأما لو أنكم ذهبتم به إلى المشفى قبل ذلك، فالله وحده هو الذي يعلم ما الذي كان سيحدث لو وقع هذا، والله وحده هو الذي يعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فدع عنك القلق والاضطراب، ولوم النفس، فالأمر لا يستدعي هذا، وانفع والدك بما يمكنك نفعه به بعد موته، مما تقدم ذكره.
والله أعلم.