عنوان الفتوى : اتهام الوالد بالزنا.. الحكم.. والعلاج
أرجو النصيحة. فأبي شيخ زان، وأنا لا أدري ماذا أفعل!؟
عمري 21 سنة، في الآونة الأخيرة اكتشفت أن أبي شيخ زان -عمره 66 سنة- يتحدث في الهاتف مع النساء، ويخرج معهن، وينفق عليهن. بالمقابل علاقته معنا تنحدر إلى الأسوأ، فمثلا عن نفسي أصبحت أكرهه، ولا أطيق النظر في وجهه.
أصبحت تراودني أفكار لا أستطيع التحكم فيها، دخلت في مرحلة تشبه الاكتئاب والقلق النفسي؛ لأنني لم أفهم ماذا أفعل؟
هل أصارحه وجها لوجه، وأقول له أن يكف عن هذه التصرفات؟ أم أخبر أخي الأكبر؛ لكي يتحدث معه؟
علما أنني حقا لم أعد أصبر على رؤيته، فأحيانا تراودي هلاوس حتى بالتفكير في قتله، خاصة عندما يسيء معاملة أمي، أو أحد إخوتي.
صحتي النفسية في تدهور مستمر، أنا الآن بصدد الذهاب لطبيب نفسي؛ لمراجعة ما يحدث معي.
لقد كنت من حفظة القرآن، ومن عُمَّار المساجد. أما الآن فأجد ثقلا في نفسي عن الصلاة والطاعة. وكل هذا من الهلاوس التي أصبحت تراودني منذ أن عرفت الحقيقة المرة.
أتمنى أن تنصحوني ماذا أفعل؟
وأرجو الرد في أقرب وقت.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنود أن ننبهك أولا، إلى أن الاتهام بالزنا أمر خطير، وخاصة إذا تعلق الأمر بالوالد، فالزنا لا يثبت إلا بالإقرار، أو الإتيان بأربعة شهود ونحو ذلك.
وإذا كان والدك يخادن النساء، فيكفيك أن تذكر هذا فقط.
وسلوكه هذا السبيل، أمر خطير، خاصة وأنه متزوج، وفي مثل هذه السن، فيقبح أن يصدر ذلك من مثله، ويعظم الإثم مع قلة الدواعي للوقوع في الذنب.
روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر.
قال القاضي عياض: سببه أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بُعدها منه، وعدم ضرورته إليها، وضعف دواعيها عنده؛ وإن كان لا يعذر أحد بذنب. لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة، ولا دواعي معتادة، أشبه إقدامهم عليها المعاندة، والاستخفاف بحق الله -تعالى- وقصد معصيته، لا لحاجة غيرها.
فإن الشيخ لكمال عقله، وتمام معرفته بطول ما مر عليه من الزمان، وضعف أسباب الجماع، والشهوة للنساء، واختلال دواعيه لذلك، عنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا، ويخلي سره منه، فكيف بالزنا الحرام؟ وإنما دواعي ذلك الشباب، والحرارة الغريزية، وقلة المعرفة، وغلبة الشهوة لضعف العقل وصغر السن... اهـ.
وكرهك هذا الفعل من والدك، علامة إيمان، ودليل خير فيك، فجزاك الله خيرا، ولا حرج عليك في مجرد هذه الكراهية، ولكن الواجب عليك أن تكون على حذر من أن يقودك ذلك إلى أن يصدر منك ما يكون فيه أذى لوالدك من قول أو فعل؛ لأن هذا يعني وقوعك في العقوق الذي هو من كبائر الذنوب، ومن أسباب سخط علام الغيوب.
وأما أن تقتله، فهذا لا ينبغي أن تفكر فيه، فضلا عن أن تقدم عليه بالفعل؛ لأن هذا قد تخسر به دينك ودنياك. ومن حق والدك عليك أن تبر به، وتحسن إليه مهما أساء، وقد بينا ذلك في الفتوى: 439189.
ومن أعظم برك بوالدك وإحسانك إليه، السعي في إصلاحه بالدعاء له أولا، وسؤال الله -تعالى- أن يتوب عليه، ويمُنَّ عليه بالهداية إلى صراطه المستقيم.
وينبغي نصحه برفق ولين، والأولى أن يكون النصح من قبل من ترجو أن يكون قوله مقبولا عنده.
والبلاء ينبغي أن يقابل بالصبر، والالتجاء إلى الله -سبحانه- وطاعته وذكره، فإن هذه الأمور يقوى بها القلب، وتطمئن بها النفس. فيستطيع المسلم بذلك مواجهة مصاعب الحياة.
وما فعلته أنت من الثقل عن الطاعة وخاصة الصلاة، يعني أنك سلكت المسلك الخاطئ الذي يتحقق به عكس المقصود، فأقبل على ربك وتمسك به، فهو القائل: فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ {الحج:78}.
وإذا رأيت أنك في حاجة إلى مقابلة طبيب نفسي، فلا بأس، ولتحرص على اختيار الموثوق، ومن له خبرة.
والله أعلم.