عنوان الفتوى : كيف أنزل الله الحجارة من سجّيل على قوم لوط بعد قلْب قُراهم؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

السؤال

أنا بحاجة إلى قول سديد في هذا الموضوع بشأن الآية (82) من سورة هود: "فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ"، فكيف أنزل الله الحجارة من سجّيل بعد هلاك الجزيرة؟ وكيف نزل على القوم الفاسدين؟ وهناك خِلاف في هذهِ المسألة: ففي تفسير البغوي يقول: "(وأمطرنا عليها) أي: على شذّاذها ومسافريها، وقيل: بعدما قلبها أمطر عليها"، وفي تفسير الوجيز لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي يقول: "ثمَّ قلبها إلى الأرض، وأمطرنا عليها حجارة قبل قلبها إلى الأرض من سجيل"، فأيُهما أصح؟ أفيدونا بعلمكم يا أهل الذكر، وشكرًا.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فكأن السائل يستشكل فائدة إمطار الحجارة عليهم بعد رفعهم إلى السماء، وقلبهم منكسين على الأرض، وجعل عالي القرية سافلها؟! وهذا قد حمل بعض المفسرين على القول بأن إسقاط الحجارة كان حين رفعهم أو قبله، وليس بعده. وحمل بعضهم على القول بأن إسقاط الحجارة كان على المسافرين من قوم لوط، ومن كان خارج قُراهم، وأما من كان في القرى، فعذب بالقلب والخسف دون الحجارة، قال النيسابوري في تفسيره: غرائب القرآن: فأمطر الله عليهم الكبريت، والنار. وقيل: خسف بالمقيمين منهم، وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذّاذهم. وقيل: أمطر عليهم، ثم خسف بهم. اهـ.

وقال الإيجي في تفسيره: جامع البيان: (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهَا) على تلك القرى قبل التقليب، أو حين التقليب، (حِجَارَةً) أو كانت الحجارة على شذّاذهم ومسافريهم. اهـ.

وجاء في التفسير الوسيط لمجمع البحوث الإسلامية: وأَرسلنا عليهم طينًا متحجرًا، كالمطر المتتابع، أَنزلناه قبل القلب أَو في أَثنائه؛ ليصيب الشذاذ المتفرقين، فلا ينجو منهم جميعًا أَحد. اهـ.

والظاهر أن الحجارة أمطرت على الجميع، بمن فيهم المخسوف بهم، ولا يبعد أن يبقى بعضهم أحياء بعد الخسف، أو أن يبقيهم الله أحياء زيادة في العذاب والنكال، فقد روى الطبري في تفسيره عن السدي، قال: لما أصبحوا -يعني قوم لوط- نزل جبرئيل، فاقتلع الأرض من سبع أرضين، فحملها حتى بلغ السماء الدنيا؛ حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وأصوات ديوكهم، ثم قلبها، فقتلهم، فذلك حين يقول: {والمؤتفكة أهوى} المنقلبة حين أهوى بها جبرئيل الأرض فاقتلعها بجناحه، فمن لم يمت حين أُسقِط الأرض، أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة، ومن كان منهم شاذًّا في الأرض، وهو قول الله: {فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل}، ثم تتبعهم في القرى، فكان الرجل يأتيه الحجر فيقتله؛ وذلك قول الله تعالى: {وأمطرنا عليها حجارة من سجيل}. اهـ.

ومما يؤكد أن الحجارة أمطرت عليهم جميعًا، أن أكثر مواضع القرآن التي تذكر عذاب قوم لوط لا تذكر إلا إمطارهم بالحجارة، كقوله تعالى: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:84]، وقوله: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [الشعراء:173] [النمل:58]، وقوله: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ [الذاريات:32-34]، وقوله: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ [القمر:34]، وقوله: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا [الفرقان:40].
وقد جمع القرآن بين نوعي العذاب، وقدم ذكر الخسف والقلب على ذكر الإمطار، وذلك في ثلاثة مواضع:

الأول: قوله تعالى: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى. فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى [النجم:53-54]، قال الواحدي في الوجيز: {والمؤتفكة} قرى قوم لوط {أهوى} أسقطها إلى الأرض بعد رفعها {فغشَّاها ما غشَّى} ألبسها العذاب والحجارة. اهـ.

وقال ابن كثير في تفسيره: {والمؤتفكة أهوى} يعني: مدائن لوط، قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود؛ ولهذا قال: {فغشاها ما غشى} يعني: من الحجارة التي أرسلها عليهم. اهـ.

والثاني: قوله تعالى: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ [هود:82].

والثالث قوله: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر:74]، فمرة قال: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا. أي: قرى قوم لوط، ومرة قال: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ. أي: قوم لوط أنفسهم.

قال ابن الزبير الغرناطي في (ملاك التأويل): في الأولى: (وأمطرنا عليها) والضمير للقرية، والمراد أهلها .. اكتفى بضمير القرية، وأغنى ذلك عن ذكر المهلكين؛ إذ هم المقصودون بالعذاب، وفي الثانية: (وأمطرنا عليهم) والضمير لقوم لوط. اهـ. باختصار.

والخلاصة: أن ظاهر الآيات هو أن الله تعالى قد جمع لفجار قوم لوط بين نوعي العذاب، فبدأ برفع قراهم وقلبها، ثم بإمطار الحجارة عليهم جميعا، سواء من كان منهم في القرى أم في خارجها.

والله أعلم. 

أسئلة متعلقة أخري
هل ينطبق وصف (الطيبون للطيبات) على التائب من الزنا؟
المراد بالإحسان في آية: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وكيفية تسبيح الكفار
تفسير قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ...
العلة في التفريق بين الظاهر والخفي من زينة المرأة
معنى كون الناس مولودين على الفطرة
تفسير قوله تعالى: فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ...
معنى: "كُلَّ ذِي ‌ظُفُرٍ" وعلة تحريم لحم الأرنب على اليهود