عنوان الفتوى : هل يكفي الذِّكر بالقلب لنيل الثواب الوارد في حديث: "من تعار من الليل فقال..."؟
السؤال
في الحديث العظيم الذي أخرجه البخاري، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تعار من الليل، فقال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب له، فإن توضأ وصلى، قبلت صلاته"، والأسئلة:
1) أحد الأفراد قد يقوم أكثر من مرة في الليل، فإذا قام أكثر من مرة، فهل يقول الذكر والدعاء، أم إن المقصود في الحديث أن يقوله مرة واحدة فقط، حتى لو قام أكثر من مرة؟
2) هل يمكن أن يقول الذكر بالقلب فقط، أم لا بد أن يتلفظ باللسان؟ أعلم أنه يجوز الدعاء بالقلب، لكنني أتحدث عن الذكر، هل يجوز بالقلب؟ فإذا قام من الليل، وأجرى الذكر على قلبه، ودعا بقلبه دون أن يحرّك لسانه، أو يفتح فمه، فهل يدخل في الحديث، ويستجاب بأمر الله عز وجل الدعاء، أم لا بد أن يأتي بالذكر بلسانه؟
3) ما المقصود بالليل في الحديث، هل هو الليل كله من بعد العشاء إلى الفجر، فهناك من ينام بعد العشاء مباشرة، وقد يتعار الساعة التاسعة أو العاشرة مساء مثلًا، فهل يقول الذكر والدعاء، ويدخل في فضل الحديث، أم إن المقصود من الليل هو النصف الثاني منه، أو جوف الليل؟ جزاكم الله عز وجل خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من قول هذا الذكر أكثر من مرة في الليل، لمن قام أكثر من مرة، ويُرجى له الثواب إذا كرره؛ لأن الله لا يضيع أجر المحسنين، وفضل الله تعالى واسع.
ثم المراد بالذكر هنا الذكر باللسان، ولا يتحقق الأجر إلا لمن حرّك لسانه وشفتيه بهذا الذِّكر، كسائر الأذكار، بل إن الشراح نبهوا على أن قوله: "تعار" يراد به: استيقاظه مع التصويت بالذكر، قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح: (من تعار) بفتح المثناة الفوقية، والعين المهملة، وبعد الألف راء مشددة، أي: انتبه، واستيقظ من النوم (من الليل) أي: في الليل.
قال التوربشتي: أن تعار يتعار، يستعمل في انتباه معه صوت، يقال: تعار الرجل إذا هب من نومه مع صوت، وأرى استعمال هذا اللفظ في هذا الموضع دون الهبوب والانتباه والاستيقاظ وما في معناه، لزيادة معنى، وهو أنه أراد أن يخبر بأن من هبّ من نومه ذاكرًا لله تعالى مع الهبوب، فيسأل الله خيرًا أعطاه، فأوجز في اللفظ، وأعرض في المعنى، وأتى من جوامع الكلم التي أوتيها بقوله: "تعار"؛ ليدل على المعنيين، وأراه مثل قوله تعالى: {يخرّون للأذقان سجدًا} [17: 107]، فإن معنى خرّ: سقط سقوطًا يسمع منه خرير، ففي استعمال الخرور في هذا الموضع تنبيه على اجتماع الأمرين: السقوط، وحصول الصوت منهم بالتسبيح، وكذلك في قوله: "تعار"، تنبيه على الجمع بين الانتباه، والذكر، وإنما يوجد ذلك عند من تعوّد الذكر، فاستأنس به، وغلب عليه؛ حتى صار حديث نفسه في نومه، ويقظته. انتهى.
وقال ابن التين: ظاهر الحديث أن معنى تعار: استيقظ؛ لأنه قال: من تعار، فقال، فعطف القول على التعار- انتهى.
قال الحافظ: يحتمل أن يكون الفاء تفسيرية لما صوت به المستيقظ؛ لأنه قد يصوت بغير ذكر، فخص الفضل المذكور لمن صوت بما ذكر من ذكر الله تعالى، وهذا هو السر في اختيار "تعار" دون استيقظ وانتبه. انتهى.
والليل هو اسم للمدة ما بين صلاة المغرب إلى طلوع الفجر، وذكر الليل مطلقًا في هذا الحديث، يدل على أنه في أي الليل قام فأتى بهذا الذكر، كان له الأجر، ولا يشترط أن يكون ذلك في وقت معين من الليل.
والله أعلم.