عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في غمس المتوضئ يده في إناء به ماء يسير
السؤال
أنا واقع في حرج أثناء الوضوء والغسل بمسألة الماء المستعمل، ونية الاغتراف.
فعند الوضوء أحمل الماء بيدي لغسل الوجه، وكذلك عند بل اليدين لمسح الرأس أو الجرابات (الخفين) فأنوي الاغتراف عند كل ذلك حتى لا يصبح الماء مستعملا. ووصل الأمر لوسواس شديد، وكذلك الأمر عندما أغسل الوجه مثلا فيكون هناك ماء على وجهي، ولكن أثناء دلك الوجه ينتقل الماء لليد ويعود للوجه أثناء التدليك. فأحيانا أعيد الغسل حتى أضمن عدم حدوث هذا الانتقال.
وفي الغسل مثلا أغسل صدري، فينزل الماء للبطن وربما للفخذين. فهل يكون هذا انفصالا للماء عن العضو، وبالتالي يصير مستعملا؟
هل مسألة الماء المستعمل والاغتراف مقتصرة على المذهب الشافعي وهناك خلاف معلوم فيها؟ وهل ما أفعله صحيح أم مبالغة زائدة؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بدن المتوضئ أو المغتسل كالعضو الواحد، والماء لا يحكم بكونه مستعملا إلا إذا انفصل عن العضو.
ومن ثم، فإن المتوضئ أو المغتسل حين يصب الماء على بدنه، لا يحكم بكون الماء المتساقط من أعلى البدن إلى أسفله مستعملا لكونه لم ينفصل عن العضو.
جاء في كشاف القناع للبهوتي الحنبلي: قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة: ما دام الماء يجري على بدن المغتسل وعضو المتوضئ على وجه الاتصال فليس بمستعمل، حتى ينفصل. فإن انتقل من عضو إلى عضو لا يتصل به، مثل أن يعصر الجنب شعر رأسه على لمعة من بدنه، أو يمسح المحدث رأسه ببلل يده بعد غسلها فهو مستعمل في إحدى الروايتين، كما لو انفصل إلى غير محل التطهير، والأخرى ليس بمستعمل وهو أصح. انتهى.
قال النووي في المجموع, وهو شافعي: حكم الاستعمال إنما يثبت بعد الانفصال عن العضو، وبدنُ الجنب كعضو واحد، ولهذا لا ترتيب فيه. انتهى.
وقد نص الحنفية أيضا على هذه المسألة, وذلك في الفتوى: 190511
أما المالكية فإنهم يرون أن الماء المستعمل تجزئ به الطهارة إذا لم يتغير. وراجع التفصيل في الفتوى: 55375.
وبناء على ما تقدم, فإنما تفعله ليس بصواب, ولا يخلو من مبالغة, فإن الماء المنفصل من غسل الوجه في الوضوء إلى غيره من الأعضاء لا يصير مستعملا. وكذلك بالنسبة للغسل إذا سال الماء من غسل أو الرأس, أو الصدر مثلا إلى أسفل البدن لا يسمى مستعملا.
وبخصوص نية الاغتراف عند الشافعية، فهذه خاصة بمن يغترف من ماء دون القُلّتينِ, وفيها تفصيل عندهم.
قال النووي في المجموع: إذا غمس المتوضئ يده في إناء فيه دون القلتين، فإن كان قبل غسل الوجه لم يصر الماء مستعملا سواء نوى رفع الحدث أم لا.
وإن كان بعد غسل الوجه، فهذا وقت غسل اليد، ففيه تفصيل ذكره إمام الحرمين وجماعات من الخراسانيين قالوا: إن قصد غسل اليد صار مستعملا، وارتفع الحدث عن الجزء الأول من اليد، وهو الذي قارنته النية وهل يرتفع عن باقي اليد؟ فيه خلاف. المذهب أنه يرتفع.
وإن قصد بوضع يده في الإناء أخذ الماء لم يصر مستعملا، وإن وضع اليد ولم يخطر له واحدة من الثنتين فالمشهور الذي قطع به الإمام والجمهور أنه يصير مستعملا؛ لأن من نوى وعزبت نيته ثم غسل بقية الأعضاء بلا قصد ارتفع حدثه, وقال الغزالي المشهور أنه مستعمل، ويتجه. اهـ.
وهذه المسألة ليست محل إجماع, بل هناك ما يخالفها.
قال ابن قدامة في المغني: ومن كان يتوضأ من ماء يسير يغترف منه بيده، فغرف منه عند غسل يديه، لم يؤثر ذلك في الماء.
وقال بعض أصحاب الشافعي: يصير الماء مستعملا بغرفه منه؛ لأنه موضع غسل اليد، وهو ناوٍ للوضوء بغسلها، فأشبه ما لو غمسها في الماء ينوي غسلها فيه. ولنا أن في حديث عبد الله بن زيد «في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعا بماء، فذكر وضوءه -إلى أن قال- وغسل وجهه ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها، وغسل يديه إلى المرفقين، مرتين»
وما ذكره لا يصح؛ لأن المغترف لم يقصد بغمس يده إلا الاغتراف دون غسلها، فأشبه من يغوص في البئر لترقية الدلو وعليه جنابة لا يقصد غير ترقيته، ونية الاغتراف عارضت نية الطهارة فصرفتها. والله أعلم. اهـ باختصار.
والله أعلم.