عنوان الفتوى : هل تُمحَق بركة زواج المرأة بمن وقعت معه في مقدمات الزنى؟
السؤال
أنا امرأة عمري 30 سنة، تعرفت إلى شاب منذ خمس سنوات، وقد كنت بعيدة عن الدِّين؛ لأني أعيش في بلد أوروبي، وجئت هذا البلد وأنا في عمر 15 سنة، وبفضل هذا الشاب رجعت للدِّين، وتقربّت لله -عز وجل-؛ لأنه كان دائما يحثني على الدِّين، وحسن معاملته لي تركتني أصبحت أكثر التزامًا، وأحببت الدِّين، وبدأت بالصلاة، ولبست الحجاب.
وقد كان في أول الأمر متحمسًا للزواج، لكنه -للأسف- تغير، وأصبح مترددًا، وهذا الأمر يعود إلى فاحشة وقعت بينا، وأنا نادمة جدّا، وأفكّر أن أعمل عمرة؛ حتى يغفر الله لي، وصارت بينا أشياء كثيرة من ممارسات جنسية، لكن لم يحدث الإيلاج.
وهو الآن يقول: إنه لا يستطيع الزواج بي؛ لأنه وقع الزنى بيننا، والله لا يسمح بذلك، وحتى إذا تزوجنا، فلن يبارك الله لنا في هذا الزواج، ويصبح باطلًا، والحلّ هو أن كل واحد يبدأ من جديد مع شخص آخر، فهل صحيح أن الله لن يقبل زواجنا، ولن يبارك لنا في هذا الزواج؟
أنا أحاول جاهدة إرضاء الله في توبتي من هذا العمل؛ بعمل الصالحات، والاستغفار، فهل هذا كافٍ حتى يغفر الله لي ذنبي؟ وماذا عليّ أن أعمل بالضبط؟ وهل يجب ترقّب وقت معين بعد التوبة؛ حتى يتم الزواج؟
وفي الأخير: أطلب منكم الدعاء لي، ولهذا الشاب؛ لأني تعبت من هذا الحال، وأريد الستر، والعفاف، وإقامة عائلة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنهنئكِ على ما أنعم الله به عليكِ من الاستقامة على الطاعة، وارتداء الحجاب، والمحافظة على الصلاة، فجزاكِ الله خيرًا.
وقد أحسنتِ بإقبالكِ على التوبة، ونسأل الله تعالى أن يتقبّلها منكِ، ويغفر ذنبكِ، ويزيدكِ تقىً وصلاحًا؛ إنه سميع مجيب.
ونوصيك بالإقبال عليه سبحانه، وسؤاله الثبات على طريق الاستقامة؛ حتى الممات، ويمكنك مطالعة فتاوانا: 1208، 10800، 12928، ففيها بعض التوجيهات النافعة.
ونرجو أن يكون ما حدث لك مع هذا الشاب درسًا لك ولغيرك؛ بالحذر من التساهل في التعامل مع الرجال الأجانب، واجتناب كل ما يدعو للفتنة من الخلوة المحرمة، ونحو ذلك، مما يمكن أن يستغله الشيطان، ويستدرج به المرء إلى الفاحشة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {النور:21}.
والتوبة من أفضل مكفّرات الذنوب، والله عز وجل واسع المغفرة، يقبل من أقبل إليه تائبًا منيبًا، فلا يعظم مع مغفرته ذنب، وهو القائل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه.
ولا يلزمكِ أداء العمرة، ولو أمكنك أداؤها، كان ذلك نورًا على نور.
ومن فضل الله تعالى أن الأمر بينكما لم يصل إلى حد الوقوع في الزنى الحقيقي بالإيلاج في الفرج.
ولو أن ما حدث هو الزنى الحقيقي، فلا إشكال في حِلّ النكاح بعد التوبة، قال ابن قدامة في المغني:... والشرط الثاني: أن تتوب من الزنى... وهي قبل التوبة في حكم الزنى، فإذا تابت، زال ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له. وقوله: التوبة تمحو الحوبة... وأما التوبة، فهي: الاستغفار، والندم، والإقلاع عن الذنب، كالتوبة من سائر الذنوب. انتهى باختصار.
ولا يصحّ الجزم بأن النكاح لو تمّ قبل التوبة، فلن يبارك الله فيه، فهذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه.
فإن كانت له الرغبة في النكاح، فليقبل عليه، ولا يكن ما حدث مانعًا له من ذلك، فإن ارتضى النكاح، وتم، فالحمد لله، وإلا فلا تتبعيه نفسكِ، وسلي الله تعالى أن يرزقكِ زوجًا صالحًا خيرًا منه، فالأمر كله بيديه سبحانه، وهو أعلم بما يصلح خلقه، فهو القائل: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
وأما قولك: (وهل يجب ترقّب وقت معين بعد التوبة؛ حتى يتم الزواج؟) فجوابه: أنه ليس لذلك وقت معين، فمتى حصلت التوبة، شرع الزواج.
والله أعلم.