عنوان الفتوى : هل تقدم بينة المدعي أم يمين المنكر؟
شخص يريد أن يشتري شيئا، فدله شخص على بائع هذا الشيء، يقول الشخص الذي يريد أن يشتري: إن الشخص الذي دله على البائع أنه كفل له هذا الشيء الذي عند البائع، ويقول: عندي شاهد عليه، وذاك الذي كفل ينكر، ويقول: أحلف اليمين إنني لم أكفل، فما هو التصرف الشرعي في هذا الحالة؟
الحمد لله.
أولًا :
روى الترمذي (1341) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمِينُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ)، قال الترمذي : "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ" . وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1938) .
وروى البخاري (4552)، ومسلم (4567) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) .
ورواه البيهقي (21201) بلفظ : (وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي , وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ) .
فهذا الحديث أصل في بيان طريقة الحكم .
فإذا تنازع شخصان في حصول عقد بينهما ، كبيع أو إجارة أو كفالة أو غير ذلك ، فإنه يطالب مدعي حصول العقد بالبينة ، فإن كان له بينة حُكم له ، ولا يلتفت ليمين الطرف الثاني (منكر حصول العقد) فإن لم يكن مع المدعى بينة ، طولب المنكر باليمين ، على أن العقد لم يقع ، فإن حلف حُكم له ، فإن لم يحلف (ويسمى عند الفقهاء بـ "النكول") حُكم عليه .
قال البهوتي رحمه الله في "الروض المربع" (7/537)
باب طريق الحكم وصفته ...
إذا حضر إليه خصمان يسن أن يجلسهما بين يديه، وقال : أيكما المدعي ؟ ...
فإذا حرر المدعي دعواه، فللحاكم سؤال خصمه عنها ، فان أقر له بدعواه حكم له عليه ...
وإن أنكر قال الحاكم للمدعي : إن كان لك بينة فأحضرها إن شئت... فإذا شهدت سمعها وحكم بها إذا اتضح له الحكم ...
وإن قال المدعي : ما لي بينة ، أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه لما روي [ أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم حضرمي وكندي فقال الحضرمي : يا رسول الله ، إن هذا غلبني على أرض لي فقال الكندي : هي أرضي وفي يدي وليس له فيها حق . فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي : ألك بينة ؟ قال : لا قال : فلك يمينه ] وهو حديث حسن صحيح .[رواه مسلم (375)] .
فإن سأل المدعي من القاضي إحلافه، أحلفه وخلى سبيله بعد تحليفه إياه ، وإن نكل المدعى عليه عن اليمين قُضي عليه بالنكول . رواه أحمد عن عثمان رضي الله عنه" انتهى باختصار .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
"إذا اجتمعت البينة ويمين المنكر: تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ ، وَيُحْكَمُ بِهَا، وَلَا تُسْمَعُ الْيَمِينُ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْهَا" انتهى بتصرف يسير. "المغني" (14/221).
ثانيا:
من أنواع البينات التي يثبت بها الحق للمدعي ، أن يكون معه شاهد واحد ، ويحلف معه ، فيقوم اليمين مقام الشاهد الثاني .
روى مسلم (3230) عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِد".
قال النووي رحمه الله :
"فِيهِ جَوَاز الْقَضَاء بِشَاهِدٍ وَيَمِين ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ ؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَالْكُوفِيُّونَ وَالشَّعْبِيّ وَالْحَكَم وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْث وَالْأَنْدَلُسِيُّونَ مِنْ أَصْحَاب مَالِك : لَا يَحْكُم بِشَاهِدٍ وَيَمِين فِي شَيْء مِنْ الْأَحْكَام .
وَقَالَ جُمْهُور عُلَمَاء الْإِسْلَام مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ عُلَمَاء الْأَمْصَار : يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِين الْمُدَّعِي فِي الْأَمْوَال وَمَا يَقْصِد بِهِ الْأَمْوَال ، وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق وَعَلِيّ وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَفُقَهَاء الْمَدِينَة وَسَائِر عُلَمَاء الْحِجَاز وَمُعْظَم عُلَمَاء الْأَمْصَار - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ - .
وَحُجَّتهمْ أَنَّهُ جَاءَتْ أَحَادِيث كَثِيرَة فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة مِنْ رِوَايَة عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَزَيْد بْن ثَابِت وَجَابِر وَأَبِي هُرَيْرَة وَعُمَارَة بْن حَزْم وَسَعْد بْن عُبَادَةَ وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ ، وَالْمُغِيرَة بْن شُعْبَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ - ، قَالَ الْحُفَّاظ : أَصَحّ أَحَادِيث الْبَاب حَدِيث اِبْن عَبَّاس ، قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : لَا مَطْعَن لِأَحَدٍ فِي إِسْنَاده ، قَالَ : وَلَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْمَعْرِفَة فِي صِحَّته . قَالَ وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَجَابِر وَغَيْرهمَا حِسَان ، وَاللَّهُ أَعْلَم بِالصَّوَابِ" انتهى .
وبناء على هذا ؛ فإن مدعي الكفالة يأتي بشاهدين عدلين على دعواه.
فإن لم يكن عنده ، فإنه يأتي بشاهد واحد ، ويشترط أن يكون عدلا، ويحلف معه على أن الطرف الآخر قد كفل السلعة – أي : ضمنها.
فإن تم ذلك حكم له ، ولا يلتفت إلى قول المنكر: إنه يحلف.
وإن لم يكن عنده بينة، حلف المنكر أنه ما ضمن شيئا ، ولم يقض عليه بضمان ولا شيء .
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |