عنوان الفتوى : زوجته وأهلها يكثرون الشكوى منه، هل ينهي العلاقة؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا متزوج منذ ١٠ سنوات، ولدي ٣ أبناء، تشتكي زوجتي وأهلها مني بين الحين والآخر طوال تلك السنوات يرون، ويعاتبون تقصيري في حقهم، فأعتذر، وأحاول التحسين، ثم تعود الشكاوى، أرى أن المواقف الجميلة مع زوجتي وأهلها لا تكفيهم لتشفع لي في مواقف تقصيري، أرى أنهم يطالبون كل مرة باستيفاء حقوقهم، ولا أطالب بشيء إلا بالمسامحة بعد كل نقد، أرى مميزات زوجتي أكثر من عيوبها، وأتعايش مع التقصير، ولا أراها كذلك معي، ١٠ سنوات محاولات لتحسين العلاقة، لكني فشلت، وليس بالإمكان أفضل مما كان فيما يبدو. النتيجة النهائية: أن زوجتي بين الحين والآخر تنفجر، ليست هذه بعيشة، زهقت، وتقع متشنجة في الأرض، وأسترضيها؛ لتتعافى، وآخر مرة طلبت لها الإسعاف، وكشفت عليها، وعلقت محاليل، تجعلني سبب سوء حالتها النفسية، مسحت اسمي من هاتفها. الخلاصة: ليس بالهين عليّ تفكيك أسرتي، وحرماني من أولادي، وحرمانهم من لمّ الشمل، ولكن أيضًا: أنا لا أتحمل أن أكون سببا في تدمير مسلمة أعزها وهي أم أولادي، لا أتحمل أن تشكوني إلى الله تعالى، وتحاجني يوم القيامة كما قالت، أفكر كثيرا في أن الحل أن ترتاح هي مني، وأن أبتعد عنها، عسى أن تعيش حياة أفضل، بعيدا عن الأمراض، والشكاوى، والحالات النفسية، وذلك ما أحبه لكل مسلم، لا أرغب في الطلاق لعدم تدمير أولادي، إلا أن يكون هو الحل الوحيد، وإلى الله وحده المشتكى، ولكن أرى البعد الطويل -شهور مثلا- لعل الأمور تتغير. أفيدوني.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

أولًا:

نسأل المولى تبارك وتعالى أن يمن عليكم بالسكينة، وأن يجعل بينكم المودة والرحمة، فإن الحول والقوة منه، فلا يفتر لسانك عن ذكر الله ودعائه ما استطعت.

ثانيًا:

نلاحظ أنك لم تذكر نوع التقصير الذي ينقمونه عليك، لكن عادة لا يخلو الإنسان من تقصير، فإن كان تقصيرك بالدرجة التي تستفز فيهم كل ردود الفعل هذه، فاجتهد في مداواة هذا التقصير وإدارته وتقليل آثاره السلبية ما استطعت.

بل نقول، كمحاولة للحل: اهتم بمعرفة نوع التقصير الذي يذكرونه، وحاول أن تظهر علاجه، حتى لو لم تكن ترى أن هناك إشكالية حقيقية من طرفك، فإذا كانوا يذكرون قلة نفقة، فحاول التوسعة شيئا ما، بما يسعه دخلك.

وإن كانوا يشتكون نوع شدة وجفوة، فحاول أن تقترب منها نوعا ما، وتلين لها أكثر، نوعا ما، بالقدر الذي تطيقه، ويمكنك أن تتعايش به، ولو مع صورة مرضية، إلى أن يصلحها الله.

ثالثًا:

لم يكن الابتعاد يومًا ما حلًا، ولا يبدو لنا من صيغة السؤال استحالة العشرة بينكما، على الرغم من الألم الموصوف في السؤال والذي يعم زواجكما.

رابعًا:

أحد الحلول الأساسية في مثل هذا الوضع، هو اللجوء لطرف خارجي يرى الوضع من الخارج، يكون على معرفة بكما، وعلى علاقة واقعية بكما، يمكنكما أن تحتكما إليه، وتشاوراه، ويعطيكما مفاتيح عادلة ومنصفة للتعامل معه، سواء كان مستشارًا أسريًا، أو رجلًا له عقل ورشد ودين، ينصح لكما، ويضع الأمور في نصابها بالنسبة لجميع الأطراف.

ولا مانع من طلب الاستشارة النفسية لك ولزوجتك، فبعض الأوضاع المعقدة تحتاج لعمل فردي على مشكلات كل طرف، كما تحتاج لعمل جماعي على مشكلات الزواج ككل.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر ) أخرجه مسلم(1469).

وهذا الحديث يصدق في حق الزوج، كما يصدق في حق الزوجة، فمهما سخطت زوجتك منك أخلاقًا، ففي أخلاقك ما يحمد بإذن الله.

وفي جواب أعطاه الشيخ ابن باز لزوجة تشكو غضبات زوجها: "الذي أنصحك به العودة، ما دام الله قد هداه إلى الإسلام، وهو طيب، وأنت كذلك طيبة، فاحمدي الله على ذلك، وكل إنسانٍ عنده تقصير، وعنده غلط، وعنده غضب، ما في الدنيا زوجٌ سالمٌ ما يغضب أبدًا، ولا يحصل منه شيءٌ، كلٌّ فيه نقصٌ: "كل بني آدم خطاء" أخرجه ابن ماجه(4251).

 فالواجب عليك أن ترجعي إلى بيته، وأن تُعامليه بالتي هي أحسن، وأن تكوني طيبة الأخلاق متحمّلةً لهذا الأمر، وأن تحرصي على الكلام الطيب الذي يُزيل عنه الغضب، يُخفف عنه الغضب، احرصي على الكلام الطيب، واللين في الكلام، والتماس أسباب رضاه، والحرص على ذلك، وأبشري بالخير والعاقبة الحميدة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا الطلاق/2، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا الطلاق/4.
هذه نصيحتي لك: العودة، والحرص على بذل الأسباب التي تُرضيه عنك، وتجعله دائمًا على حالٍ حسنةٍ، وعلى بِشْرٍ، وعلى كلامٍ طيبٍ، ومتى فعلت ما تستطيعين من الخير والتَّحمل والأسلوب الحسن والكلمات الطيبة ضدّ كلامه الشديد؛ فإنَّ العاقبة تكون لك إن شاء الله، وهو يهديه الله" انتهى، من "موقع الإمام ابن باز رحمه الله"

فالخلاصة: اجتهدا معًا في العمل لإنجاح هذا الزواج، وإنقاذ الأولاد من الضياع إذا تشتت الأسرة، واعمل ما استطعت لإدارة عيبك وتقصيرك، ولتقبل هي منك جهودك للإدارة وتعينك عليها.

فإذا لم يُجْدِ ذلك كله شيئا، ولم تنصلح عليه حال زوجتك، فالكي: آخر الدواء، والذي شرعه الله لعباده في الزواج: إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان.

فإذا لم تحصلا المعروف بينكما، ولم يمكنكما إقامة أمر الله في هذا الزواج، وتحقيق مصالحه العظيمة، ولو قدر الطاقة؛ قد قال الله تعالى:

( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) النساء/128-130

غير أن الله تعالى، بحمكته البالغة: شرع له للزوج: أن يطلق، ثم يراجع إن شاء، ويطلق، ثم يراجع إن شاء؛ فلا تلق مقاليد أمرك، ولا تستنفد خياراتك في مرة واحدة؛ فإن كان طلاق، فليكن مرة، ولعلها أن تراجع نفسها في مدة العدة، ولعلها تدرك فداحة ما أتت به ، أو أقدمت عليه، ولعل العقلاء أن يذكروها، وليكن طرف الخيط بيدك أنت، كما أذن الله به، فقبل أن تنقضي العدة، راجعها، إن وجدت أملا في الصلاح، والإصلاح؛ ولعل الله أن يحدث بعد ذلك أمرا!!

نسأل الله أن يمن عليكما بفضله ورحمته.

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...