عنوان الفتوى : ادعاء أهل الشبهات بأن القرآن الكريم أخذ من شعراء ذلك الزمن

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

كثير ما نسمع القرآن يقتبس من الشاعر رؤبة بن العجاج، قال الشاعر رؤبة بن العجاج واصفاً هزيمة حملة أبرهة ببيتين شعر: ومسهم ما مس أصحاب الفيل ترميهم بحجارة من سجيل، ولعبت بهم طـير أبابـــــــيـل فصيروا مثل عصف مأكول، بعد أعوام جاء القرآن في سورة الفيل ليقول نفس كلام هذا الشاعر، ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول). والشاعر زيد بن نفيل وصف ولادة المسيح بتلك الأبيات، فقالت مريم : أنى يكون ولم أكن بغياً، ولا حبلي، ولا ذات قيم، فقال لها : إني من الله آية، وعلمني والله خير معــــلم، وأرسلت، ولم أرسل غويا، ولم أكن شقيا، ولم أبعث بفحش، ومأثم، ونقلها محمد قائلاً: (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)) مريم /20، وقوله : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)). فما الرد على هذه الشبهة؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

أولا:

شعر رؤبة نسبه إليه غير واحد، ومن هؤلاء ابن هشام رحمه الله تعالى، حيث قال:

" الأبابيل: الجماعات، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه.

وأما السجيل، فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب: الشديد الصلب. قال رؤبة بن العجاج:

ومسهم ما مس أصحاب الفيل ترميهم حجارة من سجيل

ولعبت طير بهم أبابيل

وهذه الأبيات في أرجوزة له " انتهى من "السيرة النبوية" (1/ 56 - 57).

لكن القرآن الكريم كلام الله تعالى، ولم يقتبس من الشاعر رؤبة بن العجاج لا قليلا ولا كثيرا.

ويكفي في دفع هذه الشبهة العلم بأن رؤبة بن العجاج شاعر مسلم، يؤمن بأن القرآن كلام الله تعالى، فرؤبة قد ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بزمن، فهو من شعراء الدولة الأموية ثم العباسية.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" رؤبة بن العجاج التميمي الراجز:

من أعراب البصرة.

وسمع: أباه، والنسابة البكري.

وروى عنه: يحيى القطان، والنضر بن شميل، وأبو عبيدة، وأبو زيد النحوي، وطائفة.

وكان رأسا في اللغة، وكان أبوه قد سمع من أبي هريرة.

قال خلف الأحمر: سمعت رؤبة يقول:

ما في القرآن أعرب من قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ).

... توفي سنة خمس وأربعين ومائة – للهجرة - " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (6 /162).

وبهذا يُعلم أن قائل ذلك : إنما أُتِي من جهله بالتاريخ، وسير الشعراء، وأحوالهم؛ ثم هو يتكلم، بكل ذلك الجهل: في كتاب رب العالمين، الحكيم.

ثانيا:

الشعر الذي ذكرته منسوبا إلى زيد بن عمرو بن نفيل.

فمثل هذا الشعر إن صح أنه من شعر أهل الجاهلية قبل الإسلام، فلا يمكن صدوره إلا من شاعر نصراني، له إحاطة بعلم أهل الكتاب.

وزيد كان موحدا، ولم يكن نصرانيا ولا يهوديا، ولم يشتغل بتعلم هذه الأديان.

روى البخاري (3827) عَنْ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي، فَقَالَ: لاَ تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، قَالَ زَيْدٌ مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ زَيْدٌ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، وَلاَ نَصْرَانِيًّا، وَلاَ يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلاَ مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا، وَلاَ يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ ".

وإنما تنسب هذه الأبيات إلى أمية بن أبي الصلت.

كما تراه في "ديوان أمية بن أبي الصلت" (ص 130 – 131).

وجامع هذا الديوان قد ذكر هذه الأبيات ضمن قصيدة من 15 بيتا في ذكر شأن مريم عليها السلام.

وغالب أبيات هذه القصيدة ومن ضمنها الأبيات التي ذكرتها في السؤال لم يجد الجامع لها مصدرا إلا كتاب "البدء والتاريخ" المنسوب للمطهر بن طاهر المقدسي.

وهو كتاب يجمع الأخبار من غير بيان أسانيدها وصحتها من ضعفها.

فورود شعر فيه لا يفيد صحة نسبته إلى من نسب إليه.

وبتقدير صحة هذا الشعر، وأنه من كلام أمية بن أبي الصلت؛ فأمية هذا شاعر قد عاصر جميع زمان النبوة، حيث هلك قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بوقت قصير.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" والمعروف أنه مات في التاسعة – أي من الهجرة النبوية -.

ولم يختلف أصحاب الأخبار أنه مات كافرا، وصح أنه عاش حتى رثى أهل بدر، وقيل: إنه الذي نزل فيه قوله تعالى: ( الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها )، وقيل: إنه مات سنة تسع من الهجرة بالطائف، كافرا، قبل أن يسلم الثقفيون " انتهى من "الإصابة" (1/471).

وقد كان أمية هذا متطلعا إلى النبوة، ويتمنى أن يكون هو النبي، وبسبب هذا التطلع، استكبر وأعرض عن الإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فمن المعقول أن يكون أمية أراد أن يحاكي القرآن، كما حصل من بعض أدعياء النبوة كمسيلمة الكذاب وغيره.

ثم إن قومه وأهله وأقاربه، وهم أعلم الناس بحاله وشعره، قد صدقوا بالقرآن الكريم، وآمنوا بأنه من عند الله تعالى وليس من كلام الشعراء.

وقد سبق بسط الجواب حول شبهة شعر أمية بن أبي الصلت في جواب السؤال رقم: (293905).

والله أعلم.