عنوان الفتوى : إجماع أهل المدينة والاحتجاج به
ما هو عمل أهل المدينة وماهي القيمة التشريعية له؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن مسألة عمل أهل المدينة من المسائل التي تناولها علماء أصول الفقه بالبحث كواحدة من قواعد الأصول التي بنى عليها الإمام مالك مذهبه، وذهب من خلالها إلى أن إجماع أهل المدينة حجة، وقد نازعه في ذلك غيره من الأئمة. وقد لخص ابن تيمية رحمه الله النزاع في هذه المسألة بقوله: والكلام إنما هو في إجماعهم في تلك الأعصار المفضلة، وأما بعد ذلك فقد اتفق الناس على أن إجماع أهلها ليس بحجة. ويعني بالأعصار المفضلة القرون التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قسم ابن تيمية إجماع أهل المدينة إلى أربع مراتب: الأولى: ما يجرى مجرى النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد، وكترك الصدقة في الخضروات، قال: فهذا مما هو حجة باتفاق العلماء. الثانية: العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان بن عفان، قال: فهذا حجة في مذهب مالك وهو المنصوص عن الشافعي وكذا هو ظاهر مذهب أحمد. الثالثة: إذا تعارض في المسألة دليلان كحديثين وقياسين جهل أيهما أرجح، وأحدهما يعمل به أهل المدينة، قال: ففيه نزاع، فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بعمل أهل المدينة، ومذهب أبي حنيفة أنه لا يرجح بعمل أهل المدينة، ولأصحاب أحمد وجهان. الرابعة: وهي العمل المتأخر بالمدينة، وهو محل الخلاف بين الجمهور ومالك رحمهم الله جميعاً. وأما الأثر الفقهي للخلاف في هذه المسألة فواضح في مسائل كثيرة ، ونحيلك على بعض الكتب التي بينت الخلاف في المسائل الأصولية على اختلاف الفقهاء، ومن ذلك كتاب أثر القواعد الأصولية على اختلاف الفقهاء لمؤلفه مصطفى الخن، ولمزيد من الفائدة فيما يتعلق بأصل المسألة راجع مجموع فتاوى ابن تيمية (20/294-396) وغيره من كتب أصول الفقه، وراجع أيضاً كتاب (عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين) للدكتور أحمد محمد نور سيف. والله أعلم.