عنوان الفتوى : استدارة الفلك وكروية أجرام الكون والجهات الحقيقية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل الأرض صغيرة في هذا الفضاء؟ أم ماذا؟ وإذا كانت كذلك، فلماذا عندما تقرأ: وسع كرسيه السموات والأرض. وآية: جنة عرضها السموات والأرض. هذه الآيات تدل على أن الأرض كبيرة، وأن علماء الفلك يكذبون على المسلمين ويفتنون. ولقد سمعت شيخ الإسلام -رحمه الله- يقوي أن السماء تحيط بالأرض من جميع الجهات، والذى نراه أن السماء فوقنا في العلو؛ لأنها لو كانت مستديرة محيطة بالأرض من جميع الجهات لدل ذلك على أنه يوجد أربع سماوات لتلك الأرض الكروية سماء لأصحاب القطب الشمالي، وللجنوبي (الذين هم أسفل الأرض ويعيشون بالمقلوب) وشرق الأرض، وغربها. فما هي إجابتكم لتلك الشبهة.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأرض - وإن كانت جزءا ضئيلا جدا جدا، ولا يكاد يُذكر من الكون - إلا إنها بالنسبة لنا هي السكن والمستقر والمتاع، فالتنويه بذكرها تذكير مباشرة بشيء محسوس لجميع بني آدم، وهو أدعى للامتنان وشكر الله تعالى. ولذلك كان من المناسب أن يكون اهتمام القرآن بالحديث عنها أكبر وأعظم من غيرها من أجزاء الكون الواسع الرحيب، ولا سيما والقرآن لم ينزل فقط لعلماء الهيئة والفلك ونحوهم، بل نزل للناس كافة، وفيهم من لا يدرك إلا البيئة القريبة التي يباشر حياته عليها، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 128648.

وأما السؤال الثاني فسببه غياب التصور الصحيح لهيئة الكون، والشكل الإجمالي للأرض والسماء، فضلا عن تصور معنى الجهات وحقيقتها!! فلا يصدر مثل هذا السؤال ممن يعرف استدارة الأفلاك وكروية أجرام الكون، وأن الجهات الحقيقية إنما هما اثنتان فقط: العلو والسفل، وأن الجهة العليا هي جهة المحيط، وأن الجهة السفلى هي المركز، وأما بقية الجهات (اليمين واليسار والأمام والخلف) فهي جهات اعتبارية نسبية .. فليس هناك من يعيش على الأرض بالمقلوب!! وأهل القطبين جميعا يعيشون في مستوى وطبقة واحدة: السماء أعلاهم، ومركز الأرض الداخلي أسفلهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة العرشية: ليس أحد جانبي الفلك تحت الآخر، ولا القطب الشمالي تحت الجنوبي، ولا بالعكس. وإن كان الشمالي هو الظاهر لنا فوق الأرض وارتفاعه بحسب بعد الناس عن خط الاستواء، فما كان بعده عن خط الاستواء ثلاثين درجة مثلا كان ارتفاع القطب عنده ثلاثين درجة، وهو الذي يسمى عرض البلد، فكما أن جوانب الأرض المحيطة بها وجوانب الفلك المستديرة ليس بعضها فوق بعض ولا تحته، فكذلك من يكون على الأرض من الحيوان والنبات والأثقال لا يقال: إنه تحت أولئك، وإنما هذا خيال يتخيله الإنسان، وهو تحت إضافي؛ كما لو كانت نملة تمشي تحت سقف فالسقف فوقها، وإن كانت رجلاها تحاذيه. وكذلك من علق منكوسا فإنه تحت السماء، وإن كانت رجلاه تلي السماء، وكذلك يتوهم الإنسان إذا كان في أحد جانبي الأرض، أو الفلك أن الجانب الآخر تحته، وهذا أمر لا يتنازع فيه اثنان، ممن يقول: إن الأفلاك مستديرة. واستدارة الأفلاك كما أنه قول أهل الهيئة والحساب فهو الذي عليه علماء المسلمين، كما ذكره أبو الحسن بن المنادى، وأبو محمد بن حزم، وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهم أنه متفق عليه بين علماء المسلمين. اهـ

وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية: 131655، 125630، 132417.

والله أعلم.