عنوان الفتوى : نصيحة للولد الذي تأخر زواجه ويكلّفه والده فوق طاقته في النفقة
بداية: أود أن أتقدم بجزيل الشكر للقائمين على الموقع. نسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.
منذ ما يقارب السبع سنين تخرجت من الجامعة، وبدأت عملي، ومنذ ذلك الوقت، وأنا أتكفل بمعظم مصاريف البيت على الوالدين، وعلى إخواني -من دراسة، وعلاج، وأكل-، مع العلم الوالد ما زال يعمل، لكني أشهد الله أنهم يحملونني فوق طاقتي، فلم أستطع منذ سبع سنين أن أجمع مبلغًا يساعدني على الزواج، أو إكمال دراستي، وكل عام يزداد الحمل، وآخرها أني دفعت كل ما أملك لبيت أرادوا أن يشتروه؛ رغم أنهم كان بإمكانهم شراء بيت بسعر أقل، لكن أصروا على هذا البيت الغالي جدًّا.
والدي في فترة حياته أضاع فرصًا كثيرة، وأنفق كل ما يملك على غيره، ليأتي الوقت الآن، ويرمي كل حمله عليَّ، وأقسم بالله إنه حمل ثقيل، وهو مبذر قليلًا على إخواني، ولا يريد أن يرفض لهم أيَّ طلب، وأنا لا أستطيع أن أرفض؛ خوفًا من الدخول في عقوق، وإن رفضت، أو حاولت أشرح له سبب رفضي يتضايق، ويظن أني أملك المال، وأبخل عليهم، ويرفع صوته؛ مما جعلني أنفجر غضبًا، ورفعت صوتي عليه؛ لدرجة أني لم أتمالك نفسي، وانهمرت بالبكاء.
ونفس الحال كذلك مع والدتي، وما يضايقني أكثر أني لا أسمع منه كلمة خير عندما أنفذ طلبه، كأني مجبور على ذلك، وهذا ما يفترض أن أفعله.
أريد استشارتكم أولًا: هل كان رد فعلي عقوقًا؟ وماذا عليّ أن أفعل؟ وكيف أقنعهم أن ما يطلبونه مني فوق طاقتي، وأني أخذني العمر، وأريد أن أستر نفسي، وأكوِّن مستقبلي؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن أوضحنا ما للوالد في مال ولده، والضوابط التي تسوغ له الأخذ من ماله، فراجع فتوانا: 46692.
ومنها تعلم أنه ليس لأبيك أن يأخذ من مالك على وجه يكون فيه ضرر عليك، ويوقعك بسببه في شيء من الحرج، وإن طلب منك ما يجحف بمالك، فرفضت، لا تكون عاقًّا له، ولكن وصيتنا لك أن تجتهد في محاولة اتقاء غضبه بمداراته، واستخدام التورية في الكلام؛ ففي المعاريض مندوحة عن الكذب، وسبق بيان المقصود بالتورية، وضابط جوازها في الفتوى: 328750.
وإذا أردت أن تحاوره، وتحاول إقناعه بحاجتك للمال للزواج، ونحوه، فاستعن عليه بالله أولًا، ثم بالمقربين إليه، ومن ترجو أن يقبل قولهم.
وما ذكرت من رفعك صوتك على أبيك، لا شك في أنه من العقوق، فتجب عليك التوبة منه، وطلب مسامحته.
والغضب أمره خطير، فهو مدخل من مداخل الشيطان، فعلى المسلم أن يتقيه، قدر الإمكان، وأن يعمل على معالجته بالوسائل التي جاءت بها السنة، وسبق بيانها في الفتوى: 8038.
وإن كان أبوك لا يثني عليك، أو يدعو لك بخير عند تلبيتك طلبه، فهو مسيء بذلك، ومخالف لما جاء في الأدب النبوي، روى أبو داود، والنسائي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آتى إليكم معروفًا، فكافئوه، فإن لم تجدوا، فادعوا له؛ حتى تعلموا أن قد كافأتموه.
والله أعلم.