عنوان الفتوى : يقرأ آية الكرسي ليلا وتأتيه وساس الشيطان!
لدي شبهه أريد التخلص منها، وهي: أنني سمعت من ابن عثيمين أن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يقربه شيطان حتى يصبح، ويومياً تأتيني وساوس بعد قراءتها في الليل.
الحمد لله.
أولا:
ثبت في الحديث الصحيح أن أبا هريرة رضي الله عنه أمسك الشيطان وكان يسرق من الصدقة ، وقال له: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الشيطان: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا ، قُلْتُ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ : (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ) فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ ، وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ .
فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ؟
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، قَالَ : مَا هِيَ ؟ قُلْتُ : قَالَ لِي : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وَقَالَ لِي : لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ ، وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ، وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟) قَالَ: لا، قَالَ : (ذَاكَ شَيْطَانٌ) .
رواه البخاري تعليقا ، وصححه الألباني في "صحيح الكلم الطيب" (31).
وكون القارئ لآية الكرسي تأتيه وساوس الشيطان يجاب عنه بجوابين:
الأول :
أن الأذكار والرقى التي يقرؤها الإنسان، هي لون من دعاء الله تعالى والتوسل إليه؛ وكما أن للدعاء موانع تمنع من إجابته؛ فكذلك قد يقوم بالعبد من الموانع ما يحرمه من آثار الرقى والأذكار، وتحقق بركتها التي وعد بها .
قال ابن القيم رحمه الله في "الجواب الكافي" (ص 8، 9) بعد أن ذكر الاستشفاء بقراءة سورة الفاتحة :
"ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها، ويرقى بها: هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعى قبول المحل، وقوة همة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء، كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره، فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام، كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول، وكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفس فعالة وهمة مؤثرة: أثَّر في إزالة الداء.
وكذلك الدعاء؛ فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه، بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا؛ فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا، وإما لحصول المانع من الإجابة، من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها" .
ثم قال (ص 26) : "والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود؛ حصلت به النكاية في العدو. ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة ، تخلف التأثير، فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح ، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثَمَّ مانع من الإجابة لم يحصل الأثر" انتهى.
الجواب الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل : من قرأ آية الكرسي لم يوسوس له الشيطان، وإنما قال: لا يقربه شيطان، والوسوسة لا يلزم منها القرب، فإن الشيطان قد يوسوس للإنسان وهو بعيد عنه.
سئل الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله :
كيف يتم الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ آية الكرسي لم يقربه شيطان ) وبين قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا نام أحدكم عقد الشيطان على ناصيته ثلاثاً ) ؟
فأجاب :
"أما من حيث قراءة آية الكرسي : فينبغي أن يُعلم أنه ما من مسلم يقرأ شيئاً في كتاب الله أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيه وعد بخير أو أمر؛ إلا وجب عليه أن يسلم تسليماً، وأن يعتقد اعتقاداً جازماً أن ما ورد في هذا النص من الكتاب والسنة حق لا مرية فيه، وأن الله يعطيه ما وعده، فإن الله لا يخلف الميعاد.
إذا ثبت هذا، فإن قراءة آية الكرسي إنما يكون تأثيرها الكامل، وتأثيرها على أتم الوجوه وأكملها، وحصول الموعود على أتم الوجوه وأكملها: لمن قرأها بإيمان وخشوع وحضور قلب.
ومن هنا يتفاوت الناس في قوة التأثير على حسب قوة اليقين أثناء القراءة، والاعتقاد، ولذلك تجد بعض القراء كما قال صلى الله عليه وسلم في الفاتحة: ( وما يدريك أنها رقية)؛ فرجل يقرؤها على مجنون فيشفى، ورجل يقرؤها على لديغ فيشفى، وقد يقرؤها قارئ مرات وكرات ولكنها لا تؤثر قراءته، أما المقروء فإنه مؤثر.
ولذلك يختلف الناس في قوة العقيدة وقوة الإيمان، وقد يأتي الرجل إلى الكرب العظيم والخطب الجسيم فيقول: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، ويدخل بيقين بالله ولا يمس بسوء لقوة يقينه.
( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ) هذا الذي كمل يقينه، وكملت عقيدته وإيمانه وتوحيده، فإذا كمل الإخلاص والتوحيد وأصبح القلب متوجهاً إلى الله بصدق، وإذا تلا الآيات تلاها بإيمان، وإذا تليت عليه استجمع معاني الإيمان واليقين، فإن الله يجعل له أكمل الحظ وأكمل النصيب، فما أتي الناس إلا من ضعف اليقين.
أما من حيث الحديث ( يعقد الشيطان على قافية أحدكم )، فليس فيه معارضة للحديث، لأنه يجاب من وجوه:
أولاً: إما أن يقال لا تعارض بين عام وخاص، فيكون قوله: (لا يقربه شيطان) بمطلق الحال، ولا يمنع هذا خصوص الابتلاء في الثلاث العقد التي لا يسلم منها النائم.
وحينئذٍ من قرأ آية الكرسي فإنه لا يقربه شيطان بأذيته في نومه أو أذيته في ضجعته، فإن من نام يؤذى، ولذلك شرعت قراءة الأذكار قبل النوم.
وعلى هذا إذا قرأها حفظ، فكأن المراد به: لا يقربه شيطان بالنسبة لغير المستثنى بالنص.
ثانياً: أن العقد على القافية ليس له علاقة بالقربان، فإنه يعقد عليه بدون وجود القربان ...
لأن العقد قد يكون من بعيد ...
والذي يظهر والله أعلم: الجواب الأول، أنه لا تعارض بين عام وخاص.
ولذلك الشيطان مسلط على الإنسان بالوسوسة وبحديث النفس، فلو أخذ قوله: ( لم يقربه شيطان ) على العموم مطلقاً لشمل حتى من يوسوس، ولكن الله تعالى جعل الإنسان مبتلىً بحديث الشيطان، وهذا لا يمنع ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى كل حال: من قرأ آية الكرسي فهو محفوظ محفوظ، والله عز وجل حافظٌ له لا محالة.
وأذكر من مشايخنا -رحمة الله عليه- قال: من أهل العلم من ذكر أنه كان نائماً وأحس باثنين يتكلمان بجواره، وقال: سمعته يقول لصاحبه: لن تستطيعه، إنه تلا آية الكرسي قبل أن ينام.
وذات مرة ذكر بعض العلماء قال: سمعت اثنين يتحدثان عند رأسي وأنا في البيت لوحدي، أو في الغرفة لوحدي فسمعته يقول: لن تستطيع أن تدخل فيه، إنه قرأ المعوذات.
وهذه قد ثبت فيها النص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ المعوذات وينفث ثلاثاً، كما في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة .
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا من نزغات الشياطين، وأن يرزقنا عفوه ومغفرته ولطفه وهو أرحم الراحمين" انتهى من "شرح زاد المستقنع".
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |