عنوان الفتوى : الوقاية من كيد الشيطان ومكره وأذيته
هناك جني ينصحني باتباع الخير، والصلاة، وغير ذلك من الأمور، لكن يريد مني أن أفعل معصية -والعياذ بالله- ويهددني بقتلي وقتل عائلتي كلها، وتحميلي أنا السبب في قتلهم؛ لأني لم أسمع كلامه. فماذا أفعل؟ أرجوكم ساعدوني.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تزعمه من تسلط الجني عليك، وتهديده لك، على فرض كونه حقا، فإنه ليس عذرا في فعل المعصية.
ولا يقدر الجني أن يضرك بشيء إلا بإذن الله، والجن أضعف ما يكون إذا استعان العبد بالله وأكثر من ذكره، وإنما يتسلط الجن على الإنسان بتسليطه إياه على نفسه، وتمكينه منها، ودخوله باختياره تحت سلطانه، كما قال تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا {الجن:6}.
قال شيخ الإسلام: كان الإنس إذا نزل أحدهم بواد يخاف أهله، قال: أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، وكانت الإنس تستعيذ بالجن، فصار ذلك سببا لطغيان الجن. انتهى.
وأما من استعان بالله، ولاذ به، وتوكل عليه، وأكثر من ذكره؛ فإنه لا سبيل للجن إليه، ولا تسلط لهم عليه، كما قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {النحل:99}.
وللتخلص من كيد الشيطان ومكره وأذيته للعبد، وإرادته السوء به، أمور، ذكر بعضها شيخ الإسلام -رحمه الله- فقال:
أحدها: أن يقرأ آية الكرسي بصدق، فإذا قرأها تغيب ذلك الشخص، أو ساخ في الأرض، أو احتجب، ولو كان رجلا صالحا، أو ملكا أو جنيا مؤمنا لم تضره آية الكرسي، وإنما تضر الشياطين، كما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة، لما قال له الجني: اقرأ آية الكرسي إذا أويت إلى فراشك؛ فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك، وهو كذوب.
ومنها: أن يستعيذ بالله من الشياطين.
ومنها: أن يستعيذ بالعوذ الشرعية؛ فإن الشياطين كانت تعرض للأنبياء في حياتهم، وتريد أن تؤذيهم وتفسد عبادتهم، كما جاءت الجن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشعلة من النار تريد أن تحرقه؛ فأتاه جبريل بالعوذة المعروفة التي تضمنها الحديث المروي عن أبي التياح أنه قال: سأل رجل عبد الرحمن بن حبيش -وكان شيخا كبيرا قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم- كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين؟ قال: تحدرت عليه من الشعاب والأودية، وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فرعب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد؛ قل، قال: ما أقول؟ قال: قل أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما يخرج من الأرض، ومن شر ما ينزل فيها، ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق يطرق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن. قال: فطفئت نارهم، وهزمهم الله عز وجل. وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عفريتا من الجن جاء يفتك بي البارحة ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله عز وجل منه فذعته، فأردت أن آخذه فأربطه إلى سارية من المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه، ثم ذكرت قول سليمان عليه السلام: {رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي}، فرده الله تعالى خاسئا.
ثم قال الشيخ: فإذا كانت الشياطين تأتي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لتؤذيهم وتفسد عبادتهم، فيدفعهم الله تعالى بما يؤيد به الأنبياء من الدعاء والذكر والعبادة، ومن الجهاد باليد؛ فكيف من هو دون الأنبياء؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قمع شياطين الإنس والجن بما أيده الله تعالى من أنواع العلوم والأعمال، ومن أعظمها الصلاة والجهاد. وأكثر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة والجهاد، فمن كان متبعا للأنبياء نصره الله سبحانه بما نصر به الأنبياء. وأما من ابتدع دينا لم يشرعوه، فترك ما أمروا به من عبادة الله وحده لا شريك له، واتباع نبيه فيما شرعه لأمته، وابتدع الغلو في الأنبياء والصالحين، والشرك بهم، فإن هذا تتلعب به الشياطين قال تعالى: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}، وقال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}. انتهى.
فاتق الله، وانته عن تكليم ذلك الشيطان، ولا تخف أحدا في ذات الله، واستعن عليه بالرقى والتعاويذ الشرعية، يذهبه الله عنك بمنه وكرمه.
والله أعلم.