عنوان الفتوى : هل للشياطين قدرة على فتح الأبواب؟
هل يستعير الجن الملابس، ويعيدها؟ فقد صادفت مراتٍ بعد إخراج الملابس مطوية من الخزانة، أن عليها بقعة صفراء ظاهرة، وقد حاولت تجنب هذه الظاهرة، ولكنها تحدث دائمًا دون سبب صدأ أو أي عذر. وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالشيء المذكور قد تكون له أسباب حسية معقولة، يمكن الوصول إليها بالبحث عنها، وسؤال أهل التجربة والمعرفة بتلك الشؤون.
وفي كل الأحوال، نوصيك بذكر الله؛ فإنه حصن عن الشياطين، وقد روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان جنح الليل -أو أمسيتم- فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من الليل، فحلوهم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا. وفي لفظ لمسلم عن جابر: غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحلّ سقاءً، ولا يفتح بابًا، ولا يكشف إناء.
واختلف فيما إذا لم يذكر اسم الله عند غلق الباب، فهل يكون للشياطين عليه قدرة أم لا؟
ورجح ابن حجر أن امتناعهم من فتح الأبواب مختص بما إذا ذكر اسم الله عند إغلاقها، قال -رحمه الله-: قَالَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ: فِي الْأَمْرِ بِإِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ مِنَ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ: حِرَاسَةُ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ مِنْ أَهْلِ الْعَبَثِ وَالْفَسَادِ، وَلَا سِيَّمَا الشَّيَاطِينُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا: فَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِغْلَاقِ لِمَصْلَحَةِ إِبْعَادِ الشَّيْطَانِ عَنِ الِاخْتِلَاطِ بِالْإِنْسَانِ. وَخَصَّهُ بِالتَّعْلِيلِ؛ تَنْبِيهًا عَلَى مَا يَخْفَى مِمَّا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ جَانِبِ النُّبُوَّةِ.
قَالَ: وَاللَّامُ فِي الشَّيْطَانِ لِلْجِنْسِ؛ إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ فَرْدًا بِعَيْنِهِ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ. قَالَ هَمَّامٌ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَلَوْ بِعُودٍ يَعْرُضُهُ، وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ بَعْدَهَا ضَادٌ مُعْجَمَةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَزْمُ بِذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ فِي رِوَايَةِ ابن جُرَيْجٍ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ. وَلَفْظُهُ: وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ، وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرُضُهُ عَلَيْهِ. وَزَادَ فِي كُلٍّ مِنَ الْأَوَامِرِ الْمَذْكُورَةِ: وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ شُرْبِ اللَّبَنِ مِنْ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ، بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ حَمَلَهُ ابن بَطَّالٍ عَلَى عُمُومِهِ، وَأَشَارَ إِلَى اسْتِشْكَالِهِ، فَقَالَ: أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يُعْطَ قُوَّةً عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أُعْطِيَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَهُوَ وُلُوجُهُ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْآدَمِيُّ أَنْ يَلِجَ فِيهَا.
قُلْتُ: وَالزِّيَادَةُ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا قَبْلُ تَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، وَهُوَ أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فِعْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، إِذَا لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ.
وَيُؤَيِّدُهُ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعَامِهِ؛ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ؛ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ.
وَقَدْ تردد بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ فِي شَرْحِ الْإِلْمَام:
يَحْتَمِلُ أَنْ يُؤْخَذَ قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، عَلَى عُمُومِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَصَّ بِمَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِجِسْمِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَانِعٍ مِنَ اللَّهِ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ جِسْمِهِ. انتهى.
والله أعلم.