عنوان الفتوى : تفسير إخراج الجن من المرضى بالتوراة والإنجيل
أثابكم الله على ما تقدمونه، أفدتمونا كثيرًا، عسى جهودكم أن تكون في ميزان حسناتكم. أنا عمري 23 سنة، وأحب النقاش في أمور الدين، ودائمًا أبحث في ديني حتى يكون لي علم وحجة وأجر -إن شاء الله- في طرح ما أتعلم. أنا مؤمن بوجود الجن، وتأثيرهم على الإنس بأيّ من الطرق المعروفة، لكن تحدثت مع شخص كان يدرس معي، ويؤمن بوجودهم، ولكنه يجزم بعدم دخولهم وتأثيرهم في الإنس، ويجزم أيضًا بأنهم لا يتشكلون أو يتصورون، ويقول: هذه خرافات وكذب من الرقاة على الناس، ويكذِّب الرقاة، ويقول: هم دجالون، ولو قرئ على هذا المريض بيت شعر لرأيت التخبط والأصوات، كما يكون عندما يُقرأ القرآن الكريم. وأنا قرأت أحاديث وآيات يوجد فيها الكثير من قدرة الجن على التأثير والتصور، وأحيانًا قدرتهم على الصرع! ولكنه لم يقتنع طبعًا، وسألني سؤالًا جعلني أفكر، ولم أجد إجابة؛ لذلك أكتب لكم ما حدث.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فكون كتب اليهود والنصارى كتبًا محرفة، لا يمنع من خروج الجني برقياهم، وذلك من وجهين:
- الأول: أن تكون رقياهم شركية، فيها تعوذ، أو تسخير للجن، فيظهر نفعها من هذا الباب مع ما فيه من فتنة للناس، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 150029.
- والثاني: أن تكون رقيتهم من الحق الذي بقي عندهم في كتبهم، وأدعيتهم، وتعاويذهم، فعن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله. رواه مالك في الموطأ. وعن عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، وامرأة تعالجها، أو ترقيها، فقال: عالجيها بكتاب الله. رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
وأهل الكتاب أولى بذلك من مشركي أهل الجاهلية، الذين كان عندهم من الرقى ما يصح استعماله، ويفيد، فعن عوف بن مالك الأشجعي، قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك. رواه مسلم.
ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى جواز رقية الكافر للمسلم، إذا خلت رقيته من الشرك، ووافقت كتاب الله، وراجع في ذلك الفتاوى التالية: 299572، 337969، 291463.
وقال المازري في المعلم بفوائد مسلم: أما رقية أهل الكتاب، فاختلف فيها، وأخذ مالك بكراهيتهما، على أنه روى في موطئه عن الصديق -رضي الله عنه- أنه أمر الكتابية التي وجدها ترقي، أن ترقي بما في كتابها، ولعل مالكًا -رحمه الله- رأى أن التبديل لما دخلها، خيف أن تكون الرقية بما بدّل منه مما ليس بكلام الله سبحانه، ويكون المجيز لذلك رأى أن التبديل لم يأتِ عليها، ولعلهم لم يبدلوا مواضع الرقى منها؛ إذ لا منفعة لهم في ذلك. اهـ.
ونقل ذلك بمعناه الحافظ في الفتح، ولفظه: وأجاب من أجاز بأن مثل هذا يبعد أن يقولوه، وهو كالطب، سواء كان غير الحاذق لا يحسن أن يقول، والحاذق يأنف أن يبدل؛ حرصًا على استمرار وصفه بالحذق؛ لترويج صناعته. والحق أنه يختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال. اهـ.
وهذه هي الخلاصة: أن هذا يختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال.
ومما سبق؛ يعرف السائل أن الرقية لا يشترط أن تكون بألفاظ مأثورة، فضلًا عن أن تكون بالقرآن خاصة. وأن غير المسلم قد تؤثر رقاه، إما بسبب صحتها، وموافقتها للمعاني الشرعية، وإما لما فيها من تسخير الجن، والاستعانة بهم.
وأما إطلاق صاحبك وصف الدجل على كل الرقاة الشرعيين؛ فهذا خطأ، جانب فيه الصواب بلا شك، وفيه تجنٍّ واضح على من عرف منهم بالصلاح، والورع، واتباع السنة، والعدالة، وهم كثر -ولله الحمد-، فطعنه فيهم لا يروج على عاقل.
والله أعلم.