أرشيف المقالات

رمضان الخير بين حفاوة الاستقبال وحسن الاستعداد

مدة قراءة المادة : 20 دقائق .
رَمضانُ الخَير
بين حفاوة الاستقبال وحُسْنِ الاستعداد
 
الحمدُ لله حمدًا يُوافي نِعَمَه، ويُكافئ مزيده، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
نستقبل خلال هذه الساعات هلال شهرٍ مباركٍ وكريم؛ ألا وهو هلال شهر رمضان المبارك، ورمضان منحةٌ وعطيةٌ من الله تعالى لعباده، فبه ينالُ العبد من الدرجات والحسنات الكثير، ولقد جعله الله تعالى بابًا للعفو والمغفرة والفوز بالجنة والرضوان؛ فحريٌّ بالمسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها اغتنامه والاستعداد له؛ للفوز بالمنح الربانية في شهر رمضان المبارك.
 
والاستعداد لرمضان يكونُ بدايةً بمعرفة قدره ومنزلته عند الله تعالى، فمن معرفة قدره وعطاياه ومنزلته عند الله تعالى يتولَّد الاهتمام والعمل والمسارعة إلى اغتنامه، وعمل الصالحات فيه.
 
فشهر رمضان هو شهر تنزُّل القرآن الكريم، كتاب الله تعالى المنزَّل على سيد البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لهداية وإسعاد الناس أجمعين؛ قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].
 
ورمضان بابٌ لمغفرة ما سَلَف من الذنوب في حياة الإنسان، فهو أعظم منحة للتائبين والعائدين إلى الله تعالى؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))؛ أخرجه البخاري.
 
وفي شهر رمضان المبارك ليلة القدر، قيامها لله تعالى يُعادل عبادة ألف شهرٍ، كما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3].
 
وفي شهر رمضان من الصفاء والخشوع وحبِّ العبادات الكثير؛ لذلك تجد المساجد ممتلئةً بالمصلِّين في الصلوات الخمس، وفي صلاة التراويح والتهجُّد.
 
فشهر رمضان هو مِنحة للمبتدئين وسلوى للعابدين، مِنحة لمن يريد السير في طريق الله تعالى، ويخطو في طريق النور ويؤوب ويتوب إلى الله تعالى، وسلوى للعابدين؛ حيث الجميع مع الله تعالى والأُنْس بذكره وعبادته سبحانه؛ حيث التهجُّد والاعتكاف في شهر رمضان المبارك.
 
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتفي بقدوم شهر رمضان، ويُبشِّر أصحابَه بقدومه، ففي مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ: ((قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ)).
 
قال ابن رجب الحنبلي في «لطائف المعارف»: "قال بعض العلماء: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان، كيف لا يُبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يُبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟! كيف لا يُبشر العاقل بوقتٍ يغل فيه الشياطين؟! مِن أين يشبه هذا الزمان زمان؟!"؛ ا هـ.

فعلينا جميعًا أيها المسلمون أن نفرحَ وأن نبتهجَ لقدوم شهر رمضان المبارك؛ شهر البركات والخيرات والنفحات؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].
 
وإذا كان شهر رمضان فيه من الخير والعطايا الربانية ما لا يخفى على أحدٍ، فكيف نستقبله، وكيف نغتنمه؟
1- العزم الصادق والنية الطيبة:
يجب علينا أن نستقبل هذا الشهر المبارك بنيةٍ طيبة، وعزمٍ أكيدٍ على الوفاء بميثاقه وحقوقه وعهوده سبحانه، ففي وسط هذه الحياة المليئة بالكثير من الملهيات والشهوات قد تزلُّ قدم الإنسان في ذنبٍ أو تقصير في حقِّه سبحانه وتعالى.
 
فعندما يهلُّ عليك أيها العبد الفقير هلال شهر رمضان المبارك، اعقد العزم، وجدِّد النيَّة على الوفاء بحقِّ الله تعالى بحُسْن الإقبال عليه سبحانه وتعالى، ولا يتمُّ لك ذلك إلا بالصِّدْق مع نفسك ومع الله تعالى، فاصدق الله يصدقك؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [محمد: 21].
 
2- التوبة النصوح:
يندبُ لكل مسلمٍ أن يستقبل شهر رمضان بتوبةٍ نصوح، وأن يبدأ صفحةً جديدةً في الحياة مع نفسه، ومع الله تعالى، ومع الناس أجمعين.
 
يستقبل رمضان بتوبةٍ تمحو ظلمات وخطايا ما مضى، وتنير القلب والعمل والروح والحياة معًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ)).
 
فاغتنم يا باغي الخير أن تكون من عتقاء الله تعالى في ليالي رمضان المباركة، ليالي الفضل والخير وامتنان من ربِّ الأرض والسماء سبحانه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ))؛ أخرجه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ))، ومعنى (ليُغَان)؛ أي: ما يتغشى القلب، وقيل: المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي شأنه الدوام عليه، فإذا افتر عنه أو غفل عدَّ ذلك ذنبًا واستغفر منه.
 
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].
 
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضُّحى، ثم قال: ((اللهم اغفر لي، وتُبْ عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم))، حتى قالها مائة مرة.
 
فإذا كان حالُ النبي صلى الله عليه وسلم التوبة والاستغفار، وقد غفر الله تعالى له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فما بالُنا لا نبادر بالتوبة كل يومٍ وفي كل حالٍ، لا سيَّما ونحن لا نعلم على أي حالٍ نلقى الله تعالى.
 
ابدأ رمضان بتوبة إلى الله لعلَّكَ تنجو، والله يفرح بعودتك إليه سبحانه، ويحب عودتك إليه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((وَاللهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاة))؛ أخرجه مسلم.
 
شروط التوبة:
قال الإمام النووي في كتابه «رياض الصالحين»: "قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنبٍ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلَّق بحقِّ آدمي، فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية، والثاني: أن يندم على فعلها، والثالث: أن يعزم ألَّا يعود إليها أبدًا، فإن فقد أحد الثلاثة لم تصحَّ توبته.

وإن كانت المعصية تتعلَّق بآدمي، فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالًا أو نحوه ردَّهُ إليه، وإن كانت حدَّ قذفٍ ونحوه مكَّنَه منه، أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحلَّه منها.

ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحَّتْ توبتُه عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه الباقي"؛ ا هـ.

3- المحافظة على الصلوات في جماعة:
شهر رمضان فرصة للحفاظ على صلاة الجماعة، والصلاة بصفةٍ عامة؛ لا سيما ونحن في زمانٍ انسلخ كثيرٌ من شبابنا عن تعاليم ديننا الحنيف.
 
قال صلى الله عليه وسلم: ((الصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاء))، فالصلاة نورٌ للمؤمن، نورٌ لمن يحافظ عليها ويُؤدِّيها تامَّةً كاملةً على أكمل وجه، نورٌ في بدنه وقلبه وعقله وبيته وعمله.
 
وفي مسند أحمد عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ: ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ: ((مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَيَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ)).

وصلاة الجماعة ثوابها عظيمٌ عند الله تعالى لمن يحافظ على أداء الصلاة في جماعة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً))، وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ لا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ)).
 
فشهر رمضان فرصة للمحافظة على الصلاة بصفة عامة، وكذلك فرصة للتعوُّد على أدائها في جماعة؛ لنيل أعلى الدرجات عند الله تعالى.
 
وأما عن جزاء من قام رمضان؛ أي: أحيا ليله بالعبادات؛ كصلاة التراويح والتهجُّد والذكر والدعاء وقراءة القرآن ونحو ذلك فجزاءٌ عظيم عند الله تعالى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).
 
4- تِلاوةُ القرآن الكريم ومدارسته وختمه:
رمضان شهر القرآن؛ فحريٌّ بنا أن نُزيِّن أوقاته بتلاوة القرآن الكريم وتدبُّره ومدارسته والعمل به؛ قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].
 
ويُستحَبُّ أن يختم المسلم القرآن الكريم في شهر رمضان، ولقد كان بعض السلف يختم القرآن الكريم في قيام رمضان في كل ثلاث ليالٍ، وبعضهم في كل سبعٍ، وبعضهم في كل عشرةٍ.

كان قتادة يختم القرآن في كل سبعٍ دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاثٍ، وفي العشر الأواخر كل ليلةٍ، وكان للإمام للشافعي في رمضان سِتُّونَ ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه، وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.

وتلاوة القرآن الكريم فيها من الأجر الكثير؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: "الم" حَرْفٌ؛ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ)).
 
فعلى المسلم والمسلمة اغتنام شهر القرآن بإنزال القرآن الكريم المنزلة اللائقة به في حياتنا قراءةً وتدبُّرًا وفهمًا وعملًا.
 
5- المسارعة إلى أعمال الخير والبر:
يجب علينا أن نستقبل رمضان ونُسارع فيه إلى أعمال الخير والبر والإحسان على قدر الاستطاعة؛ ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إن جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة، في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيَه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».
 
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)).
 
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيه)).
 
ومن ذلك:
الصدقة، وإطعام الطعام، وكِسوة الفقراء، وكفالة اليتامى، وإعانة المحتاجين، وقضاء الدين عن المدينين، والمشاركة في بناء المستشفيات الخيرية ونحو ذلك.
 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، يَا عَبْدَاللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ، وَبَابِ الرَّيَّانِ))، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى هَذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، وَقَالَ: هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ)).
 
فاجتهدوا أيها المسلمون في جميع أبواب الخير، وسابقوا وسارعوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
 
6- العفو والصفح والتسامح والتراحم:
يندبُ أن نستقبل شهر رمضان بالعفو والتسامح، وترك الخصومات والمنازعات التي تُفرِّق أواصر المحبة والوداد بين المسلمين؛ قال تعالى: ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85]، وقال تعالى: ﴿ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ﴾ [الزخرف: 89].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ)).
 
وأشد هذه الخصومات ما يكونُ من هجر الوالدين أو الأبناء أو الإخوة والأخوات أو ذوي الأرحام، فبادِرُوا بالمعروف والإحسان، فخيرُ العباد عند الله الذي يبدأُ بالسلام.
 
ولنُزيِّن رمضان بروح العفو والتراحُم، وهذه هي أخلاق الإسلام وآدابه، فما قيمة الزينة التي نضعها في شوارعنا وبيوتنا ابتهاجًا بقدوم رمضان وقلوبنا خربة، لا تمتلئ رحمة أو محبة لخلق الله؟! قال صلى الله عليه وسلم: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)).
 
7- المحافظة على اغتنام الشهر الكريم:
يُندَب لكل مسلم ومسلمة اغتنام الشهر الكريم بالمحافظة على ليله ونهاره، وذلك بألَّا يضيع في الملهيات التي تحجب المسلم عن رحمات الله تعالى، أو أن يقضيه في النوم بالنهار، وفي الليل أمام المسلسلات والبرامج الماجنة، فكثيرة هي البرامج والمسلسلات التي تُعرض على الشاشات في رمضان، وأغلبها يخالف تعاليم الإسلام، وفيها من المخالفات الكثير.
 
فالمسلم يُحاسب على عُمرهِ أيضًا وليس على أعماله فقط، فاغتنم عُمرك وشبابك في طاعة الله تعالى.
 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَزُولُ قَدْمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَشَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ)).
 
وَعَنْ عَمْرو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)).
 
وقال الحسن البصري: «ليس يوم يأتي من أيام الدنيا إلا يتكلم يقول: يا أيها الناس إني يومٌ جديد، وأنا على من يَعملُ فيَّ شهيد، وإني لو غربت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة».
 
وقال عمر بن ذرٍّ: «اعملوا لأنفسكم رحمكم الله في هذا الليل وسواده، فإن المغبون من غُبن خير الليل والنهار، والمحروم من حرم خيرهما، إنما جُعلا سبيلًا للمؤمنين إلى طاعة ربهم، ووبالًا على الآخرين للغفلة عن أنفسهم، فأحيوا لله أنفسكم بذكره، فإنما تحيا القلوب بذكر الله، كم من قائمٍ لله في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته، وكم من نائمٍ في هذا الليل قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله تعالى للعابدين غدًا، فاغتنموا ممر الساعات والليالي والأيام، رحمكم الله».
 
8- المحافظة على سُنَن الصيام وآدابه:
يُندَب أن نستقبل رمضان المبارك ونعقد العزم على أن نحافظ فيه على سنن الصيام وآدابه اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولنيل الأجر والثواب من الله تعالى.
 
ومن سنن الصيام:
تأخير السحور وتعجيل الفِطْر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ)).

ويُسَنُّ للصائم أيضًا: الدعاء عند الفطر؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ((ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)).

ويُسنُّ للصائم أيضًا: أن يفطر على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد فليفطر على الماء؛ وذلك لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ)).
 
ويُسَنُّ للصائم أيضًا: أن يصون جوارحه عن كل ما يُغضب الله تعالى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ، أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ)).

وعلى الصائم أيضًا: أن ينتهي عن قول الزور، أو العمل به، أو الجهل أثناء صيام - وفي غير الصيام أيضًا - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ بِأَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَلَا شَرَابَهُ)).
 
ويُسَنُّ للصائم أيضًا: الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ».
 
ويُسنُّ للصائم أيضًا: تحرِّي ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ)).
 
ويكون إحياؤها: بالصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، وغير ذلك من الأعمال الصالحة والعبادات، وأن يكثر من دعاء: ((اللهُمَّ إنك عفوٌّ تحبُّ العفو، فاعْفُ عنِّي))؛ وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو، فاعْفُ عني)).
 
نسأل الله تعالى أن يُبلِّغْنا رمضان بفضله وامتنانه، وأن يُعيننا فيه على الصيام والقيام وصالح الأعمال، وأن يُبلِّغْنا ليلة القدر برِضْوانه إن شاء الله، وأن يجعلنا فيه من المقبولين ومن عُتَقائه من النار، إن شاء الله.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢