عنوان الفتوى : حكم منكر الجن، والواجب تجاهه، ونسب أولاده
لي صديق يقول إن والده لايؤمن بوجود الجن، فهو يسأل هل يعتبر والده كافرا؟ وفي حالة ما إذا كان كذلك، فهو يتساءل إذا كان يعتبر ابن زنا، فإذا كان أبوه كافرا وقت الزواج بوالدته، فيعتبر زواجهما باطلا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوجود الجن والحديث عنهم، أمر مستفيض في القرآن الكريم، حتى سميت سورة كاملة باسمهم، فيها ذكر بعض أحوالهم! فمن أنكر وجودهم فقد أنكر جملة من آيات القرآن؛ ولذلك كان إنكار وجودهم كفرا -والعياذ بالله-. قال ابن حزم في الفصل في الملل: من أنكر الجن أو تأول فيهم تأويلا يخرجهم به عن هذا الظاهر، فهو كافر مشرك. اهـ.
وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: هو – يعني إنكار الجن والشياطين - من عقد قوم من الزنادقة والفلاسفة، يقال لهم: الدهرية، وليس من عقد المسلمين. اهـ.
وقال ابن بطة العكبري في الإبانة الصغرى ص 235: من أنكر أمر الجن وكون إبليس والشياطين والمردة وإغواءهم بني آدم، فهو كافر بالله، جاحد بآياته، مكذب بكتابه. اهـ.
وقال الألوسي في روح المعاني: أكثر الفلاسفة على إنكار الجن. وفي رسالة الحدود لابن سينا: الجني حيوان هوائي متشكل بأشكال مختلفة. وهذا شرح الاسم، وظاهره نفي أن يكون لهذه الحقيقة وجود في الخارج! ونفي ذلك كفر صريح كما لا يخفى. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 141161.
فالمقصود أن إنكار وجود الجن رأسا: اعتقاد كفري، وأما المعتقِد نفسه فإن كان مثله يجهل ذلك، فهو معذور حتى يُعلَّم وتقام عليه الحجة، قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية: الإيمان بالجن واجب؛ الإيمان بوجودهم وبما أخبر الله - عز وجل - عنهم من صفتهم في كتابه، وبما صح في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أنكر وجود الجن كفر لأنه كذب القرآن، فيعرف - إذا كان مثله يجهل - يعرف بما جاء في القرآن من الآيات، فإذا كذب بوجود الجن مع ذكرهم في القرآن فإن تكذيبه يعود إلى إنكار وجحد القرآن، فيكون كافرا بذلك. اهـ.
وكذلك من أثبت لفظ الجن الوارد في القرآن، ولكنه تأوله على غير حقيقته، وخرج به عن المعهود المتفق عليه بين المعتبرين أهل العلم. فهذا تزال شبهته وتقام عليه الحجة أولا. وقد وقع في ذلك بعض المنتسبين للعلم، وراجع في تفصيل ذلك رسالة الماجستير للدكتور عبد الكريم عبيدات: (عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة) فقد عقد مبحثا عن عقائد الناس في الجن، فيه جزء خاص بموقف المنكرين لوجود الجن من النصوص الدالة على إثباتهم (ص 115 : ص 172).
وعلى ذلك؛ فلا يصح أن يجزم السائل أو صديقه بكفر والده، وإنما عليهم السعي لتعليمه وإزالة شبهته بأسلوب مناسب يليق بمقام الوالد.
وأما مسألة النسب فلا إشكال فيها، ولا يصح – حتى مع افتراض وقوع الزوج في الردة – أن يوصف الابن بأنه ابن زنا على أية حال!! وإنما يبحث الفقهاء في حال ردة الأبوين جميعا، أو أحدهما في حكم الولد من حيث الإسلام وعدمه، ولحوقه بأبويه في الدين، وأما النسب فهو ثابت له. جاء في الموسوعة الفقهية: من حمل به في الإسلام فهو مسلم، وكذا من حمل به في حال ردة أحد أبويه والآخر مسلم، قال بذلك الحنفية والشافعية؛ لأن بداية الحمل كان لمسلمين في دار الإسلام، وإن ولد خلال الردة .. اهـ.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع: لو تزوج المرتد مسلمة فولدت له غلاما، أو وطئ أمة مسلمة فولدت له، فهو مسلم تبعا للأم، ويرث أباه لثبوت النسب. اهـ.
والله أعلم.