عنوان الفتوى : هل يجزئ وضع الثياب في الصناديق المخصصة للمساكين عن كفارة اليمين؟
إذا كان علي كفارة يمين، وليس لدي مال كافٍ حالياً، وعندي ملابس بعضهم لا ألبسهم إلا نادراً، وكان هناك مثل برميل كبير مخصص لوضع الملابس فيه قريب من البيت للمحتاجين. فهل يجوز لي أن أضع الملابس فيه، وأول ما أضع الملابس في برميل الملابس أكون قد قمت بالكفارة؟ أم يجب أن أعطي كل شخص مسكين بذاته؟ وما هو اللبس المطلوب لكل شخص، بنطال وقميص لكل واحد مثلا؟
الحمد لله.
أولا :
كفارة اليمين
من حلف وحنث في يمينه فعليه كفارة يمين، وهي: عتق رقبة، أو كسوة عشرة مساكين، أو إطعامهم، يخير الحانث بين هذه الثلاثة، فإن لم يستطع أن يفعل خصلة من الثلاثة صام ثلاثة أيام، قال الله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ المائدة/89.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (45676).
ثانيا :
شروط لا بد من مراعاتها في إخراج كفارة اليمين
يجب في كفارة اليمين أن تكون الرقبة المعتقة مؤمنة، وتكون الكسوة والإطعام لمؤمن، فلا يجزئ عتق كافر، ولا إطعامه، ولا كسوته.
كما يجب أن تكون الكسوة والإطعام لعشرة، فلا يجزئ أن يطعم مسكينا واحدا عشر مرات.
كما يجب إخراج الكسوة والطعام، ولا يجزئ إخراج القيمة بدلا عنهما –سواء كانت القيمة نقودا أو غيرها -.
وهذا كله مذهب جمهور العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِمْ ... أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى كَافِرٍ ... وَبِذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ" انتهى من "المغني" (13/507).
وقال أيضا (13/511): " لَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ إخْرَاجُ قِيمَةِ الطَّعَامِ، وَلَا الْكِسْوَةِ، فِي قَوْلِ إمَامِنَا (يعني : الإمام أحمد) وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ" انتهى.
وقال أيضا (13/513، 514): " الْمُكَفِّرَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَجِدَ الْمَسَاكِينَ بِكَمَالِ عَدَدِهِمْ، أو لا يَجِدَهُمْ ، فَإِنْ وَجَدَهُمْ ، لَمْ يُجْزِئُهُ إطْعَامُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ ...
الْحَالُ الثَّانِي: الْعَاجِزُ عَنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ كُلِّهِمْ ، فَإِنَّهُ يُرَدِّدُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ، حَتَّى تَتِمَّ عَشَرَةً ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا وَاحِدًا، رَدَّدَ عَلَيْهِ، تَتِمَّةَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ وَجَدَ اثْنَيْنِ، رَدَّدَ عَلَيْهِمَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى هَذَا. وَنَحْوُ هَذَا قَالَه الثَّوْرِيِّ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ" انتهى.
وبناء على هذا ؛ فلا يجزئ وضع الثياب في هذه البراميل عن كفارة اليمين، لأنك لست على يقين من أن هذه الثياب ستصل إلى مستحقها، وذلك للأسباب التالية:
قد يأخذها من لا يستحقها، كما لو لم يكن مسكينا، أو لم يكن مسلما، وهذا ظاهر في البلاد التي أكثر أهلها غير مسلمين ، والمسلمون فيها أقلية.
أنه قد تأخذها بعض الجمعيات الخيرية وتبيعها وتنفق ثمنها في أنواع البر، وهذا لا يجزئ في كفارة اليمين.
قد لا يأخذها أحد، أو يتم إتلافها بطريقة ما.
فلهذه الأسباب نرى أنه لا يجزئ وضع الثياب في هذه البراميل عن كفارة اليمن.
فإما أن توزعها بنفسك على المستحقين، أو توكل مسلما ثقة يقوم بتوزيعها عنك.
ثالثا :
صفة الكسوة الواجب إعطاؤها للمسكين في كفارة اليمين
الكسوة الواجب إعطاؤها للمسكين في كفارة اليمن هي ما يجزئ في الصلاة ، وهو مذهب المالكية والحنابلة .
ولا يشترط في الثوب أن يكون جديدا لم يلبس من قبل، بل يصح الكفارة به، ولو لبسه صاحبه قبل ذلك، بشرط أن تكون حاله صالحة للكسوة، لا أن يكون باليا، ولا خلقا، ولا مرقعا، ولا نحو ذلك، بل مما لا يلبس مثله أوساط الناس.
قال البهوتي رحمه الله: " (وَالْكُسْوَةُ مَا تُجْزِئُ صَلَاةُ) الْمِسْكِينِ (الْآخِذِ الْفَرْضَ فِيهِ؛ لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ وَلَوْ عَتِيقًا، إذَا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ)، فَإِنْ بَلِيَ وَذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ : لَمْ يُجْزِئْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ .
(أَوْ قَمِيصٌ يُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ الْفَرْضَ نَصًّا [أي : نص عليه الإمام أحمد]) نَقَلَهُ حَرْبٌ ( بِأَنْ يَجْعَلَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْئًا) بَعْدَ سَتْرِ عَوْرَتِهِ .
( أَوْ ثَوْبَانِ ، يَأْتَزِرُ بِأَحَدِهِمَا وَيَرْتَدِي بِالْآخَرِ . وَلَا يُجْزِئُهُ مِئْزَرٌ وَحْدَهُ وَلَا سَرَاوِيل ) ، وَحْدَهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُجْزِئُ فِيهِ .
( وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ ) أَيْ قَمِيصٌ ( وَخِمَارٌ يُجْزِئُهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ لَابِسَهُ فِي الصَّلَاةِ ، وَيُسَمَّى عُرْيَانًا" انتهى من "كشاف القناع" (6/307).
ويؤخذ من هذا: أن الثياب المستعملة تجزئ في كفارة اليمين ، بشرط أن تكون منفعتها باقية ، أما إذا كانت بالية ولا يمكن الانتفاع بها فلا تجزئ.
ويؤخذ منه أيضا : أنه لا يجزئ أن يكسوه قطعة واحدة، إذا كان هذا الثوب مما يلبس قطعتين؛ فالبنطال المعروف اليوم، لا يُلبس وحده، بل لا بد من قطعة تلبس على أعلى البدن معه، فإن كساه بنطالا، لزم أن يكسوه ما يلبس معه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : "والكسوة : هي ما يكفيه في الصلاة ، كإزار ورداء ، أو قميص" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز"(23/137) .
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(105953).
والله أعلم .