عنوان الفتوى : شفاعة المسلم الصالح لأقاربه يوم القيامة
عندما يحفظ المرء القرآن، يُسمح له يوم القيامة أن يشفع لعشرة من أفراد أسرته، فهل هذا يعني فقط العائلة المقرّبة؛ مثل العمّات، الأعمام، الوالدين، الأجداد، والأشقاء، أم يمكن أن يكونوا أقارب بعيدين؟ ومن الممكن أن تدخل العائلة بأكملها الجنة، بالتالي من سيُترَك للشفاعة؟ وهل هو نفس الشيء بالنسبة للشهيد الذي يستطيع أن يشفع لسبعين من أفراد العائلة؟
الحمد لله.
أولا:
هل يصح حديث شفاعة القرآن لعشرة من أهله؟
حديث شفاعة حافظ القرآن لعشرة من أهله، هو حديث قد ضعفه أهل العلم بالحديث.
فقد رواه الإمام أحمد في "المسند" (2 / 420) والترمذي (2905)؛ من حديث حَفْص بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَاسْتَظْهَرَهُ، فَأَحَلَّ حَلَالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ: أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِ الجَنَّةَ وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ).
وقال الترمذي عقبه: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَحَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ ".
وقال محققو المسند:
" إسناده ضعيف جدا لضعف حفص بن سليمان القارئ، وجهالة كثير بن زاذان " انتهى.
وقد رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (5 / 260)، وغيره: عن عِيسَى بْن سَالِمٍ الشَّاشِيّ، قَالَ: أخبرنَا سَلْمُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِحَامِلِ الْقُرْآنِ إِذَا أَحَلَّ حَلَالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ: أَنْ يَشْفَعَ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَهْل بَيْتِهِ، كُلُّهُمْ قَدْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ).
وقال الطبراني: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْحَارِثِ إِلَّا سَلْمُ بْنُ سَالِمٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: عِيسَى بْنُ سَالِمٍ " انتهى.
وقال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه جعفر بن الحارث وهو ضعيف " انتهى من"معجم الزوائد" (7 / 162).
وضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" (ص672).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(201387)، ورقم:(14035).
ثانيا:
شفاعة الشهيد في سبعين من أهله
أما شفاعة الشهيد في سبعين من أهله فهي ثابتة ، وكذلك شفاعة المؤمنين –على سبيل العموم- فيمن دخل النار من الموحدين .
وأما تحديد الأقارب الذين سيشفع فيهم الشهيد أو غيره فلن يكون تحديدهم راجعا إلى الشهيد ، وذلك لأن الشفاعة لا تكون للشافع من تلقاء نفسه، بل لا تكون إلا بإذن الله تعالى.
قال الله تعالى:
(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) البقرة/255.
ولا تكون إلا لمن يرضى الله عنه .
قال الله تعالى:(وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) الأنبياء/28.
وقال الله تعالى:(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) النجم/26.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم –وهو أفضل البشر- لن يشفع في أحد من أمته إلا من يحددهم الله تعالى له .
فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ... وذكر حديث طويلا فيه : (ثُمَّ أَشْفَعُ ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ) رواه البخاري(4476)، ومسلم(495) .
قال الحافظ ابن حجر :
"قَوْله : ( فَيَحُدّ لِي حَدًّا ): يُبَيِّن لِي فِي كُلّ طَوْر مِنْ أَطْوَار الشَّفَاعَة حَدًّا أَقِف عِنْده، فَلَا أَتَعَدَّاهُ" انتهى .
ثم إن الشفاعة أنواع ، فهناك الشفاعة برفع العذاب، والشفاعة بدخول الجنة، والشفاعة برفع الدرجات فيها، فلا يستنكر أن يشفع الشافع لمن هو من أهل الجنة برفع درجته فيها.
راجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم:(26259).
ثالثا :
التعمق والبحث عن أمور الغيب
لا ينبغي التعمق والبحث عن أمور الغيب ، بل نقف فيها على ما وردت به النصوص ، ومع وراء ذلك نكل أمره إلى الله تعالى .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" ومما يدخل في النهي عن التعمق والبحث عنه: أمور الغيب الخبريّة التي أمر بالإيمان بها، ولم يبين كيفيتها، وبعضها قد لا يكون له شاهد في هذا العالم المحسوس، فالبحث عن كيفية ذلك هو مما لا يعني، وهو مما ينهى عنه، وقد يوجب الحيرة والشك، ويرتقي إلى التكذيب...
قال إسحاق بن راهويه: لا يجوز التفكر في الخالق، ويجوز للعباد أن يتفكروا في المخلوقين بما سمعوا فيهم، ولا يزيدون على ذلك، لأنهم إن فعلوا تاهوا ... " انتهى من"جامع العلوم والحكم" (2/ 172–173).
والله أعلم.