عنوان الفتوى : فتاة في سن المراهقة لم تحض من قبل ترى الكدرة وحدها، هل تعتبر حيضا؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

جاءتني الكدرة عندما كنت ١٢ سنة لمدة اسبوع أو أكثر، ولا أذكر المدة تحديدا، ولم أكن أعرف أنها تعتبر حيضا، وأني قد بلغت، ثم جاءتني مرة أخرى، وفي المرة الثالثة سألت أمي، وأخبرتني أنها حيض، وعلمتني الاغتسال، وكذا، فما حكم صلواتي التي صليتها في تلك الثلاثة أشهر؛ لأني لم أكن أغتسل عند انتهاء الدورة؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله.

أولا:

متى تكون الكدرة حيضاً؟

الكدرة لا تكون حيضا إلا إذا كانت متصلة بدم الحيض، أو كانت في أيام الحيض عند أكثر العلماء.

روى الإمام مالك في "الموطأ" (1 / 59) عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، يَسْأَلْنَهَا عَنِ الصَّلَاةِ.

فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ.

تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ" وذكره البخاري معلقا بصيغة الجزم "فتح الباري" (1/420)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل"(1/218).

وروى البخاري رحمه الله تعالى في "الصحيح" (326) في باب "الصُّفْرَةِ وَالكُدْرَةِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الحَيْضِ" عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا"، ورواه أبو داود (307) بلفظ: "كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ، وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا"، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1/219).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" و "الصفرة والكدرة" : للفقهاء فيها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره: هل هي حيض مطلقا، أو ليست حيضا مطلقا. والقول الثالث - وهو الصحيح - أنها إن كانت في العادة ، مع الدم الأسود والأحمر، فهي حيض، وإلا فلا... وقالت أم عطية: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا)" انتهى من" مجموع الفتاوى" (26/220).

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" ودل قول عائشة رضي الله عنها هَذا على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وأنّ من لها أيام معتادة تحيض فيها، فرأت فيها صفرة أو كدرة، فإن ذَلِكَ يكون حيضاً معتبراً.

وهذا قول جمهور العلماء، حتى إن مِنهُم مِن نقله إجماعاً، مِنهُم: عبد الرحمن بنِ مهدي وإسحاق بنِ راهويه، ومرةً خص إسحاق حكاية الإجماع بالصفرة دونَ الكدرة " انتهى من"فتح الباري" (2 /125–126).

ثانيا :

حكم الكدرة للمتبدأ

وأما رؤية المبتدأة للكدرة وحدها، هل تعدّ حيضا؟

فهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم.

قال العمراني الشافعي رحمه الله تعالى:

" إذا رأت المرأة الدّم لسنّ يجوز أن تحيض فيها: أمسكت عما تُمسك عنه الحائض؛ لأن الظاهر أنه حيض...

وإن كان في الدم صفرة أو كدورة: فقد قال الشافعي رحمه اللّه: (الصّفرة والكدورة في أيّام الحيض حيض).

واختلف أصحابنا فيه، على ثلاثة أوجه:

أحدها: وهو قول أبي العباس، وأبي إسحاق، وأكثر أصحابنا: أن الصفرة والكدرة حيض في أيّام العادة، وفي غيرها من الأيّام التي يمكن أن تكون أيّام الحيض؛ لقوله تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ )؛ وهذا يتناول الصفرة، والكدرة.

والثاني: قال أبو سعيد الإصطخري: لا تكون الصفرة والكدرة حيضا، إلا إذا رأت ذلك في أيام العادة، بأن تكون قد حاضت في أيام من الشهر دما أسود، أو أحمر، ثم رأت في الشهر الثاني، في مثل تلك الأيام، صفرة أو كدرة. فأما إذا رأت المبتدأة صفرة، أو كدرة، أو رأت المعتادة في غير أيام العادة الصفرة أو الكدرة.. لم يكن ذلك حيضا؛ لما روي عن أم عطية، وكانت قد بايعت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: أنها قالت: ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الغسل شيئا )، ولأنه ليس فيه أمارة الحيض، فلم يكن حيضا.

والثالث: وهو اختيار أبي علي الطبري ـ: إن تقدمهما دم قوي، كالأسود، والأحمر، ولو بعض يوم؛ كانا حيضا. وإن لم يتقدمها دم قوي فليسا بحيض. وهو قول أبي ثور.

وقال أبو يوسف: الصفرة حيض، والكدرة ليست بحيض، إلا أن يتقدمها دم.

والأول أصح: لأنه دم في زمان الإمكان، ولم يجاوز الأكثر، فكان حيضا، كالأسود، وكما لو كان في أيام العادة... " انتهى من "البيان"(1 /350–351).

وقال المرداوي الحنبلي رحمه الله تعالى:

" وإن ابتدأت بصفرة أو كدرة، فقيل: إنها لا تجلسه. وهو ظاهر كلام أحمد. وصححه المجد في "شرحه"...

وقيل: حكمه حكم الدم الأسود. وهو المذهب. اختاره القاضي. ويحتمله كلام المصنف هنا. وجزم به في "المغني"، و "الشرح"... " انتهى من"الإنصاف"(2 /398-399).

والأقرب أن الكدرة والصفرة في زمن الإمكان : حيض ، كما سبق نقله عن المعتمد من مذهبي الشافعية والحنابلة ؛ لا سيما وقد تكررت معك في الشهرين التاليين.

وعلى ذلك؛ فلم يكن عليك أن تصلي في هذه المدة. بل تتركين الصلاة والصوم، كما تفعل الحائض.

فإذا كنت قد صليت، ولا تعلمين بأمر الحيض في هذه المدة فلا شيء عليك؛ لأنك فعلت ذلك جهلا، أو تأويلا .

ثم إنه ليس أمر الحيضة في الحال التي وصفت، بينا لكل النساء، بل ولا هو مما اتفق عليه العلماء، فهذا أدعى للعذر فيه، وأنه لا شيء عليك فيما فعلت من العبادات .

بل إذا قدرنا أن القول الراجح أن هذه الصفرة والكدرة : ليست من الحيض ، وأنك اعتبرتيها حيضا، فتركت الصلاة مدتها ؛ فليس عليك شيء أيضا ؛ لأنك تركت ما تركت بجهل، أو تأويل سائغ، أو تقليد لعالم أو مفت معتبر، في حق من فعل ذلك تقليدا وسؤالا، والمسألة فيها خلاف قوي معتبر؛ فلا حرج على من عمل بقول مفتيه ، أيا كان  القول الذي أفتاه به من أقوال أهل العلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وما ترك لجهله بالواجب، مثل من كان يصلي بلا طمأنينة، ولا يعلم أنها واجبة، فهذا قد اختلفوا فيه: هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت أو لا؟ على قولين معروفين. وهما قولان في مذهب أحمد وغيره.

والصحيح أن مثل هذا لا إعادة عليه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته: ( اذهب فصل فإنك لم تصل - مرتين أو ثلاثا - فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا: فعلمني ما يجزيني في صلاتي ). فعلّمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالطمأنينة. ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت. مع قوله: ( والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا )، ولكن أمره أن يعيد تلك الصلاة؛ لأن وقتها باق. فهو مأمور بها أن يصليها في وقتها، وأما ما خرج وقته من الصلاة فلم يأمره بإعادته مع كونه قد ترك بعض واجباته؛ لأنه لم يكن يعرف وجوب ذلك عليه.

وكذلك لم يأمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يقضي ما تركه من الصلاة؛ لأجل الجنابة. لأنه لم يكن يعرف أنه يجوز الصلاة بالتيمم.

وكذلك المستحاضة قالت له: إني أستحاض حيضة شديدة منكرة تمنعني الصوم والصلاة فأمرها أن تتوضأ لكل صلاة، ولم يأمرها بقضاء ما تركته.

وكذلك الذين أكلوا في رمضان حتى تبين لأحدهم الحبال البيض من الحبال السود، أكلوا بعد طلوع الفجر ولم يأمرهم بالإعادة، فهؤلاء كانوا جهالا بالوجوب، فلم يأمرهم بقضاء ما تركوه في حال الجهل، كما لا يؤمر الكافر بقضاء ما تركه في حال كفره وجاهليته " انتهى من"مجموع الفتاوى" (21 /429-431).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" الجهل هو: عدم العلم، ولكن أحياناً يعذر الإنسان بالجهل فيما سبق دون ما حضر، مثال ذلك: ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة: ( أن رجلاً جاء فصلى صلاة لا اطمئنان فيها، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل، كرر ذلك ثلاثاً، فقال له: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني) فعلمه ولكنه لم يأمره بقضاء ما مضى لأنه كان جاهلاً، إنما أمره أن يعيد الصلاة الحاضرة " انتهى من"لقاء الباب المفتوح" (19 / 32 ترقيم الشاملة).

ويحسن للأهمية مراجعة جواب السؤال رقم:(150069). 

والله أعلم.