عنوان الفتوى : علاج الغضب
أؤدي فرائض الله كاملة، أرجو أن يتقبلها الله، ولكني -للأسف- سريع الغضب؛ لدرجة أنني أحلف بالله كثيرًا أنني لن أفعل شيئًا، ولكني أفعله، وأحاول أن لا أكرر هذا، ولكن مع حدوث أي مشكلة أعود مرة أخرى، ولا أعلم ماذا أفعل؟ فهل يتقبل مني الله التوبة؟ أرجو الإفادة -جزاكم الله خيرًا-.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالتوبة مقبولة من كل من جاء بها على وجهها، مستوفية شروطها، وأركانها.
وأما الحلف بالله، فعليك ألا تكثر منه؛ امتثالًا لقول الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}.
وإذا حلفت وحنثت، لزمتك الكفارة، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن عجزت، فعليك صيام ثلاثة أيام، الأحوط تتابعها.
وأما علاج الغضب، ومدافعته، فقد أجاد أبو حامد الغزالي -رحمه الله- وأفاد في بيانه، ونحن ننقل لك طرفًا من كلامه؛ لتتم الفائدة، قال -عليه الرحمة-: وَإِنَّمَا يُعَالَجُ الْغَضَبُ عِنْدَ هَيَجَانِهِ بِمَعْجُونِ الْعِلْمِ، وَالْعَمَلِ:
أما العلم، فهو ستة أمور:
الأول: أن يتفكر في الأخبار التي سنوردها فِي فَضْلِ كَظْمِ الْغَيْظِ وَالْعَفْوِ وَالْحِلْمِ وَالِاحْتِمَالِ، فيرغب في ثوابه، فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفي والانتقام، وينطفئ عنه غيظه، قال مالك بن أوس بن الحدثان: غضب عمر على رجل، وأمر بضربه، فقلت: يا أمير المؤمنين، {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، فكان عمر يقول: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، فكان يتأمل في الآية، وكان وقافًا عند كتاب الله مهما تلي عليه، كثير التدبر فيه، فتدبر فيه، وخلى الرجل، وأمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل، ثم قرأ قوله تعالى: {والكاظمين الغيظ}، فقال لغلامه: خلِّ عنه.
الثاني: أن يخوف نفسه بعقاب الله، وهو أن يقول: قدرة الله عليَّ أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت غضبي عليه، لم آمن أن يمضي الله غضبه عليّ يوم القيامة أحوج ما أكون إلى العفو، فقد قال تعالى في بعض الكتب القديمة: يا ابن آدم، اذكرني حين تغضب، أذكرك حين أغضب، فلا أمحقك فيمن أمحق. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيفًا إلى حاجة، فأبطأ عليه، فلما جاء قال: لولا القصاص لأوجعتك...
الثَّالِثُ: أَنْ يُحَذِّرَ نَفْسَهُ عَاقِبَةَ الْعَدَاوَةِ وَالِانْتِقَامِ، وَتَشَمُّرَ الْعَدُوِّ لِمُقَابَلَتِهِ، وَالسَّعْيِ فِي هَدْمِ أَغْرَاضِهِ، وَالشَّمَاتَةِ بِمَصَائِبِهِ، وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنِ الْمَصَائِبِ، فَيُخَوِّفُ نَفْسَهُ بعواقب الغضب في الدنيا، إن كان لا يخاف من الآخرة...
الرَّابِعُ: أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ صُورَتِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ: بِأَنْ يَتَذَكَّرَ صُورَةَ غَيْرِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ، وَيَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ الْغَضَبِ فِي نَفْسِهِ، وَمُشَابَهَةِ صَاحِبِهِ لِلْكَلْبِ الضَّارِي، وَالسَّبُعِ الْعَادِي، وَمُشَابَهَةِ الْحَلِيمِ الْهَادِي التَّارِكِ لِلْغَضَبِ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَوْلِيَاءِ، وَالْعُلَمَاءِ، وَالْحُكَمَاءِ، وَيُخَيِّرَ نَفْسَهُ بَيْنَ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ وَأَرَاذِلِ النَّاسِ وَبَيْنَ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْعُلَمَاءِ وَالْأَنْبِيَاءِ فِي عَادَتِهِمْ؛ لِتَمِيلَ نَفْسُهُ إِلَى حُبِّ الِاقْتِدَاءِ بِهَؤُلَاءِ، إِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مَعَهُ مُسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي السَّبَبِ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَى الِانْتِقَامِ، وَيَمْنَعُهُ مِنْ كظم الغيظ، ولا بد وأن يكون له سبب، مِثْلَ قَوْلِ الشَّيْطَانِ لَهُ: إِنَّ هَذَا يُحْمَلُ منك على العجز، وصغر النفس، والذلة والمهانة، وَتَصِيرُ حَقِيرًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، فَيَقُولُ لِنَفْسِهِ: مَا أَعْجَبَكِ! تَأْنَفِينَ مِنَ الِاحْتِمَالِ الْآنَ، وَلَا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح، إذا أخذ هذا بيدك، وانتقم منك، وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، وَلَا تَحْذَرِينَ مِنْ أَنْ تَصْغُرِي عِنْدَ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّبِيِّينَ، فَمَهْمَا كَظَمَ الْغَيْظَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْظِمَهُ لِلَّهِ، وَذَلِكَ يُعَظِّمُهُ عِنْدَ الله...
السادس: أن يعلم أن غضبه من تعجبه من جريان الشيء على وفق مراد الله، لا على وفق مراده، فكيف يقول: مرادي أولى من مراد الله، ويوشك أن يكون غضب الله عليه أعظم من غضبه، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَأَنْ تَقُولَ بِلِسَانِكَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ من الشيطان الرجيم، هكذا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقال عند الغيظ.. فيستحب أن تقول ذلك، فإن لم يزل بذلك، فاجلس إن كنت قائمًا، واضجع إن كنت جالسًا، واقرب من الأرض التي منها خلقت؛ لتعرف بذلك ذل نفسك، واطلب بالجلوس والاضجاع السكون... فإن لم يزل ذلك، فليتوضأ بالماء البارد، أو ليغتسل، فإن النار لا يطفئها إلى الماء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم، فليتوضأ.. انتهى.
وله تتمة حسنة في الإحياء، فلتنظر، فجاهد نفسك، واستعن بما ذكرناه على تمام المجاهدة، واجتهد في دعاء الله تعالى أن يذهب عنك ما تجد من الغضب.
والله أعلم.