عنوان الفتوى : التفضيل بين الكتب ومناهج تلقي العلم طريق غير سديد
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ما الأفضل لي ، أن أقتني الكتب التسعه للحديث النبوي بما فيها الصحيحين ( مع شرح معاصر لكل كتاب ) أم أن أختار الطريقة الموضوعية ، بمعنى أن يكون في الكتاب الذي أعنيه الموضوع ثم الآيات ثم الأحاديث ثم شرح العلماء ، مثل شرح رياض الصالحين لابن عثيمين ، الموضوع = الصبر ثم الآيات في الصبر ثم الأحاديث التي وردت في الصبر من غالب الكتب التسعة للحديث النبوي ثم شرح ابن عثيمين له وقد اقتنيت كتب موضوعية مثل شرح رياض الصالحين لابن عثيمين و موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم ( الكتاب المعروف في الأخلاق الإسلامية ) ، وشرح الواسطية والتدمرية والطحاوية والحموية وشرح فتح المجيد ومجموعة الأشقر كاملة ، فهل أقتني الكتب التسعة مع شروحها أم الكتب الموضوعية التي تجمع من القرآن و الكتب التسعة للسنة ، أيهما أفضل ، وإن رشحتم واحدا من الطريقتين فما أفضل الكتب المعاصرة الشاملة الموسعة في أحد الطريقتين ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك تواصلك معنا، وقد لاحظنا إكثارك من الأسئلة حول الكتب والمفاضلة بينها، وهذا من المشغلات لطالب العلم عن الحفظ والقراءة والتحصيل ، فالكتب المعروفة عند العلماء متقاربة ومسألة التفضيل بين الكتب ومناهج تلقي العلم في كثير منها اجتهادية نسبية، فنوصيك بالكف عن الاشتغال بتلمس المفاضلة بين الكتب العلمية، وأن تصرف همتك إلى البدء بالقراءة والتحصيل.
وننقل هاهنا نصيحة ثمينة للشيخ إبراهيم السكران حول هذه القضية ، فقد سئل: السلام عليكم ممكن تعطيني جدول لطالب علم انتظم عليه علما يتضمن قراءة كتب وكيف أبدأ علما بأني سأبدأ بكتب شرعيه
فأجاب:
الحمد لله وبعد: والله إني أحب لك الخير، وسأوصيك بما يخفق قلبي به كلما رأيت مثل هذا السؤال، وألتمس منك العذر مقدماً إن وجدت خشونة في العبارة، واعلم أنها بسبب حرقة لافحة أشعر بها تجاه الكوادر العلمية في هذه القضية: أوصيك، وأشدد عليك في الوصية، أن تتخلص فوراً من هذا السؤال، فهذا السؤال (أريد منهجاً لطلب العلم وجدولاً للكتب) هو متاهة طلب العلم ومسبعة الوقت، والغالب أن ليس وراءه عزيمة، بل هو وسادة نفسية لتسكين الذات المترقبة.. فالشاب الذي يذهب لكل متصدر ويسأله "أريد جدولاً ومنهجاً وكتباً موصى بها لطلب العلم" هو كمن يذرع الأزقة في قريته كل صباح يسأل عن أحسن طريق للسفر إلى المدينة.. وهكذا حتى تلقي عليه "المرحلة الذهبية للتحصيل العلمي" نظرة الوداع الأخير.. فيتنحى بوجهه ليداري دمعة الحسرات.. اصرف قلبك وعقلك عن تكرار سؤال المنهجية والجدول المقترح والكتب الموصى بها، وافسر كُمّك عن ذراعك، وأغلق عليك باب غرفتك، وأصمت جوالك، وابدأ في حفظ المتون وتلخيص الشروح ومثافنة الأشياخ ومدارسة الأقران، وسترى النتيجة، وسترى الفرق بين التدشين والبدء والعزم، وبين الحيل النفسية ومناوشة الحمى.. أما جداول الكتب الموصى بها ووصايا المنهجية في طلب العلم فالمنشور منها اليوم أكثر من عدد طلاب العلم أنفسهم! .اهـ.
وقال أيضا -في ذكر عوائق طلب العلم- : (ملهاة المنهجيات):
فالمراد به استمرار التشاغل بسؤال: أريد منهجية لطلب العلم، أريد برنامجاً للتأصيل العلمي، أريد جدولاً للقراءة، ما الكتب المقترحة للقراءة في الموضوع الفلاني، وهكذا. وصاحب هذه "الملهاة" يذهب لكل متصدر للحديث في العلم، ويعيد عليه هذا السؤال المهموم بصيغ شتى. وهو "غالباً" لا ينفّذ شيئاً من هذه الخطط والمنهجيات والجداول، وإنما هي من جنس شجى المهمومين. وحقيقة السؤال نوع من "الحيل النفسية" يتهرب بها الشخص من أعباء التنفيذ دون أن يصارح نفسه بذلك. وهذا عام في شؤون الحياة كلها، ولذلك تجد من عزم فعلاً على السفر حزم أمتعته وانطلق، وأما الذي لم يعزم بعد فتجده يكرر السؤال عن أفضل الطرق وأفضل الناقلين وأفضل المساكن وهكذا، يستعيض بسؤال الوسائل عن أعباء التنفيذ. ومثله الشخص الذي عزم فعلاً على بناء منزل تتفاجأ به في وقت وجيز وقد ارتفع الدور الأول، أما من ليس له عزم فتجده في كل مجلس يسأل عن أفضل التصميمات وأجود المقاولين وهكذا. وما في النفس البشرية من الاشتغال بسؤال طرائق التنفيذ للتهرب من التنفيذ له نظائر في القرآن، وانظر مثلاً كيف تهرب بنو إسرائيل من تنفيذ الأمر بذبح البقرة إلى كثرة السؤال عن مواصفات البقرة المطلوبة: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ}، {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}، {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ}.. والكتب المعتمدة في الفنون شديدة الشهرة، والجادّ في الطلب يستشير ويستخير ويبدأ بالتنفيذ، ويصرف نفسه عن التشاغل بمقارنات المقررات الدراسية حتى ينتهي .اهـ.
ونذكرك بما أجبناك به سابقا في الفتوى:345817 .
والله أعلم.