عنوان الفتوى : الغضب.. آثاره على الحياة الزوجية.. والحل المناسب
زوجي سريع الغضب، وغضبه يصل إلى حد أنه ممكن أن يضرب بأي شيء بدون ما يشعر، واليوم قام بيني وبينه نقاش حاد، كلمة مني، وكلمة منه إلى أن قام بضربي، فقلت له إذا أنت غير واثق بي طلقني، وأنا أعرف أنه حرام على المرأة أن تطلب الطلاق. وفي أثناء الضرب ارتفع صوتي، وهددني بأني لن أذهب إلى زواج بنت أختي، وحلف بالطلاق. فهل الطلاق يقع؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحلف بالطلاق له حكم الطلاق المعلق، فإذا تحقق المحلوف عليه -وهو هنا ذهابك إلى زواج ابنة أختك- وقع الطلاق؛ سواء قصد زوجك تهديدك أم قصد الطلاق، وهذا عند جمهور الفقهاء، ومنهم المذاهب الأربعة. ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا لم يقصد الزوج الطلاق لم يقع، وتلزمه كفارة يمين. والمفتى به عندنا هو قول الجمهور. وانظري الفتوى رقم: 11592. والأحوط الخروج من هذا الخلاف بعدم الذهاب لهذا الزواج، واعتذارك لأختك.
والغضب لا تنتفي معه أهلية التكليف إن كان صاحبه يعي ما يقول، فتترتب على تصرفاته آثارها؛ سواء فيما يتعلق بالطلاق أم غيره، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: ويقع الطلاق ممن غضب ولم يزل عقله بالكلية، لأنه مكلف في حال غضبه. اهـ. وهو -أي الغضب- باب من أبواب الشر، ولذلك حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء الشرع بعلاجه كما هو مبين في الفتوى رقم: 8038.
وننصح عند الغضب أن يبتعد كل من الزوجين عن الآخر، ولو اضطر الزوج أن يخرج من البيت اتقاء للآثار السيئة للغضب فليفعل، فقد فعل مثله الأخيار، ثبت في صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة رضي الله عنها، فلم يجد عليًّا رضي الله عنه في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني، فخرج فلم يقِل عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: انظر أين هو؟ فجاء، فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه، ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب.
وجاء في فتح الباري: قال ابن بطال: وفيه أن أهل الفضل قد يقع بين الكبير منهم وبين زوجته ما طبع عليه البشر من الغضب، وقد يدعوه ذلك إلى الخروج من بيته، ولا يعاب عليه، قلت: ويحتمل أن يكون سبب خروج عليّ؛ خشية أن يبدو منه في حالة الغضب ما لا يليق بجناب فاطمة ـ رضي الله عنهما ـ، فحسم مادة الكلام بذلك، إلى أن تسكن فورة الغضب من كل منهما. اهـ.
وننبه إلى أن ضرب الزوجة والاعتداء عليها بغير مسوغ شرعي ظلم، قال تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}، قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: إن كنتم تقدرون عليهم فتذكروا قدرة الله، فيده بالقدرة فوق كل يد، فلا يستعلي أحد على امرأته فالله بالمرصاد. اهـ.
ولتحذر المرأة من أن ترفع صوتها على زوجها، فهذا نشوز ومعصية تترتب عليه آثاره، وراجعي الفتوى رقم: 161663.
والله أعلم.