عنوان الفتوى : ما هي الحالات التي يمكن فيها العمل بالرأي المرجوح؟
ما هي الحالات التي يمكن فيها العمل بالرأي المرجوح؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا في الحقيقة من الأسئلة البحثية! وليست مجرد فتوى، وما يمكننا إجماله هنا هو أن ذلك يرجع إلى سببين رئيسين:
- الأول: التخفيف في محل الحاجة؛ وذلك دفعًا لضرورة، أو مراعاة لمشقة معتبرة.
- والثاني: تقديم مصلحة أعلى، أو درء مفسدة أكبر، سواء على مستوى الفرد أم الجماعة.
ومن ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية في (القواعد النورانية) خلال كلامه عن مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة: يستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف هذه القلوب بترك هذه المستحبات؛ لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما رأى في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متمًّا، وقال: الخلاف شر. اهـ.
وقال في موضع آخر: وأما صلاة عثمان، فقد عرف إنكار أئمة الصحابة عليه، ومع هذا فكانوا يصلون خلفه، بل كان ابن مسعود يصلي أربعًا - وإن انفرد - ويقول: الخلاف شر، وكان ابن عمر إذا انفرد صلى ركعتين. اهـ.
وعلى أية حال؛ فلن نستطيع إيفاء المقام حقه، ولذلك فإننا نكتفي ههنا بأمرين:
الأول: ذكر بعض المراجع المتعلقة بموضوع السؤال، والتي يجد فيها السائل مراده.
الثاني: نقل قرار مجمع الفقه الإسلامي ذي الصلة بالموضوع.
فأما الأول فيمكن للسائل أن يرجع إلى:
- بحث الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي (الضوابط الشرعية للأخذ بأيسر المذاهب) وهو مطبوع ضمن كتابه: (الفقه الإسلامي وأدلته) [1 / 89 : 134].
- كتاب (الفتوى في الشريعة الإسلامية) للشيخ عبد الله آل خنين، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء. ففيه مطلب خاص بالأخذ بالقول المرجوح عند الاقتضاء. ويليه مطلب الأخذ بالرخص الفقهية عند الاقتضاء [1 / 327 : 345].
- رسالة الماجستير للباحث/ أسامة الصلابي: (الرخص الشرعية أحكامها وضوابطها).
وأما القرار فهو القرار الأول من القرارات الصادرة عن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الثامن بشأن موضوع الأخذ بالرخصة وحكمه، وبعد اطلاع المجلس على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص هذا الموضوع، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
1 - الرخصة الشرعية: هي ما شرع من الأحكام لعذر، تخفيفًا عن المكلفين، مع قيام السبب الموجب للحكم الأصلي. ولا خلاف في مشروعية الأخذ بالرخص الشرعية إذا وجدت أسبابها، بشرط التحقق من دواعيها، والاقتصار على مواضعها، مع مراعاة الضوابط الشرعية المقررة للأخذ بها.
2 - المراد بالرخص الفقهية: ما جاء من الاجتهادات المذهبية مبيحًا لأمر في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره.
والأخذ برخص الفقهاء: بمعنى اتباع ما هو أخف من أقوالهم، جائز شرعًا بالضوابط الآتية في (البند 4).
3 - الرخص في القضايا العامة تعامل معاملة المسائل الفقهية الأصلية إذا كانت محققة لمصلحة معتبرة شرعًا، وصادرة عن اجتهاد جماعي ممن تتوافر فيهم أهلية الاختيار، ويتصفون بالتقوى والأمانة العلمية.
4– لا يجوز الأخذ برخص المذاهب الفقهية لمجرد الهوى؛ لأن ذلك يؤدي إلى التحلل من التكليف، وإنما يجوز الأخذ بالرخص بمراعاة الضوابط التالية:
أـ أن تكون أقوال الفقهاء التي يترخص بها معتبرة شرعًا، ولم توصف بأنها من شواذ الأقوال.
ب ـ أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرخصة، دفعًا للمشقة، سواء أكانت حاجة عامة للمجتمع أم خاصة أم فردية.
ج ـ أن يكون الآخذ بالرخص ذا قدرة على الاختيار، أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك.
د - ألا يترتب على الأخذ بالرخص الوقوع في التلفيق الممنوع الآتي بيانه في (البند 6).
هـ ـ ألا يكون الأخذ بذلك القول ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع.
وـ أن تطمئن نفس المترخص للأخذ بالرخصة.
5 - حقيقة التلفيق في تقليد المذاهب: هي أن يأتي المقلد في مسألة واحدة ذات فرعين مترابطين فأكثر بكيفية لا يقول بها مجتهد ممن قلدهم في تلك المسألة.
6 - يكون التلفيق ممنوعًا في الأحوال التالية:
أـ إذا أدى إلى الأخذ بالرخص لمجرد الهوى، أو الإخلال بأحد الضوابط المبينة في مسألة الأخذ بالرخص.
ب ـ إذا أدى إلى نقض حكم القضاء.
ج ـ إذا أدى إلى نقض ما عمل به تقليدًا في واقعة واحدة.
د ـ إذا أدى إلى مخالفة الإجماع أو ما يستلزمه.
هـ ـ إذا أدى إلى حالة مركبة لا يقرها أحد من المجتهدين. انتهى.
والله أعلم.