عنوان الفتوى : المراد بأن الرؤيا إذا عُبِّرت وقعت
إذا رأيت رؤيا، وعلمت في نفسي أنها شر، فغالبًا أفسرها لنفسي، وأنطق بالتفسير وهو شر، وقد قرأت أن البلاء موكل بالمنطق، فهل هذا يعني أنه ربما يتحقق لنطقي به؟ وكيف أتصرف في هذه الحالة وقد نطقت به؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا مسألة كون البلاء موكلًا بالمنطق, ومستند هذا القول وأسباب النجاة من ذلك، في الفتويين: 197435، 198331.
وأما الرؤيا فلا يلزم وقوعها بما عبرت به من أي أحد من الناس، إذا كان لا يدري التعبير، وإنما يقع ما عبرت به إذا كان التعبير من عالم بالتعبير، ووافق تعبيره الصواب، وقد بوَّب الإمام البخاري في صحيحه: باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب ـ وأسند تحته قصة أبي بكر في تعبيره لرؤيا الظلة التي تنطف السمن والعسل، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا.
قال النووي: وفي هذا الحديث جواز عبر الرؤيا، وأن عابرها قد يصيب وقد يخطئ، وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق، وإنما ذلك إذا أصاب وجهها. اهـ.
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين: لم يرد بقوله: فإذا عبرت وقعت ـ أن كل من عبرها وقعت، وإنما أراد بذلك العالم بها المصيب الموفق لا الجاهل، ولا أراد أن كل رؤيا تعبر؛ لأن أكثرها أضغاث. اهـ
وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: ولم يرد أن كل من عبرها من الناس وقعت كما عبر، وإنما أراد بذلك العالم بها، المصيب الموفق، وكيف يكون الجاهل المخطئ في عبارتها لها عابرًا، وهو لم يصب ولم يقارب؟ وإنما يكون عابرًا لها إذا أصاب، يقول الله عز وجل: إن كنتم للرؤيا تعبرون ـ يريد: إن كنتم تعلمون عبارتها. اهـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: أشار البخاري إلى تخصيص ذلك بما إذا كان العابر مصيبًا في تعبيره، وأخذه من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في حديث الباب: أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا ـ فإنه يؤخذ منه أن الذي أخطأ فيه، لو بينه له، لكان الذي بينه له هو التعبير الصحيح، ولا عبرة بالتعبير الأول. اهـ.
ومن أهم ما ينبغي الاعتناء به في السلامة من الرؤيا السيئة، أن يلتزم المسلم بالآداب النبوية: فيكتم الرؤيا، ويستعيذ بالله من الشيطان، ويلجأ للصلاة والدعاء، فقد ثبت في السنة النهي عن التحديث بالأحلام المكروهة التي تكون من الشيطان، ففي صحيحي البخاري، ومسلم عن عبد ربه بن سعيد، قال: سمعت أبا سلمة، يقول: لقد كنت أرى الرؤيا، فتمرضني، حتى سمعت أبا قتادة، يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني، حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره، فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثًا، ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره.
وترجم عليه البخاري: باب إذا رأى ما يكره، فلا يخبر بها، ولا يذكرها. اهـ.
وفي رواية لمسلم: وليتحول عن جنبه الذي كان عليه. وفي رواية عند مسلم أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصل...
وفي صحيح مسلم عن جابر، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، رأيت في المنام كأن رأسي ضرب، فتدحرج، فاشتددت على أثره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك. وقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد يخطب فقال: لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه.
قال القرطبي في المفهم: دليلٌ على منع أن يخبر الإنسان بما يراه في منامه مما يكرهه، مما يظن أنه من الشيطان. اهـ.
فمن فعل هذه الأشياء عندما يرى ما يكرهه، وهي:
1/ الاستعاذة بالله من الشيطان، ومن شر الرؤيا.
2/ النفث عن يساره ثلاثًا.
3/ التحول عن الجنب الذي كان عليه إلى جنبه الآخر.
4/ يقوم فيصلي لله تعالى ركعتين أو أكثر.
5/ لا يحدث بها أحدًا.
فلن تضره الرؤيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، مهما كانت مفزعة ومقلقة؛ ولذا روى مسلم عن أبي سلمة -رحمه الله- قال: إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليّ من جبل، فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث فما أباليها.
والله أعلم.