عنوان الفتوى : علاج الوسوسة من خلال الكتاب والسنة وزيادة الإيمان
لا أدري كيف أبدأ مشكلتي أو معاناتي، لكن سأحاول تبسيطها وسردها لكم، وأرجو أن تتسع صدوركم لها. في البداية: وقبل عام تقريبا، قمت بقراءة كتاب: الإعلام بنواقض الإسلام، لا أخفيكم كمية الهول والروعة الشديدين اللذين أحسست بهما، معلوماتي الدينية بسيطة جدا، وعندما قرأت الكتاب فقدت صوابي تقريبا. طبعا لم أفهم النواقض بشكل تفصيلي ومبسط، ومشروح، وأغلب ما يذكر كان رؤوس أقلام. فأصبت بوسواس الكفر والردّة. بداية بوسواس الاستهزاء بالدين، ثم التكذيب، ثم استحلال الحرام، وأخيرا وسواس الشك في الدين. وتقريبا الأخير كان أصعبها، وأشدها علي. وأيضا وسواس الطهارة والصلاة. فأصبت باكتئاب، وتدهورت صحتي تبعا لذلك، وأصبحت حبيسة المنزل، وضاق بي أهلي ذرعا، فهم ما بين مشفقين، وساخرين، وأحيانا يقل صبرهم فينهروني ويعنفوني، وأنا حبيسة وساوسي والأفكار المسيطرة على رأسي. مر عام وأنا على هذه الحالة، مللت نفسي وأهلي. قرأت أغلب حالات الوساوس هنا، فلم أجد حالات مطابقة لحالتي. أنا لا أتحدث عن وسواس سب الذات، وسواسي من نوع غريب، وهو نوع أسئلة تفصيلية تشكيكية، إضافة إلى أسئلة غريبة تطرأ عليّ. بدأ بالتشكيك بالثوابت العقدية، كنت أناقش الأفكار وأرد عليها، وطبعا معلوماتي بالثوابت لا بأس بها. ثم بعد ذلك أسئلة غريبة ومخيفة لا أستطيع أن أتجاهلها؛ لأنها تكون حول ما يعلم من الدين بالضرورة. لا يمكن التردد، أو قول لا أعلم. ثم بعد ذلك جاءت الكارثة، وبدأت الوساوس تشككني بعامة الأحكام الإسلامية، خاصة ما كان كفرا وحراما. تأتيني أسئلة كثيره. وتفصيلية لا أعلم لماذا إذا قرأت أن شيئا حكمه حرام، لا أجد الإيمان الكامل، أو لا أقطع بذلك، يبقى الشك ينهش رأسي، ولا ينعم صدري بحكم، وأسئلة كثيرة حول الحكم (ماذا لو كان كذا؟ وهل هذه الحالة داخلة في الحكم أو لا؟ وماذا يدخل فيه من حالات ووو) ثم بعد ذلك يأتي الشيطان ليقول لي: كفرت! فإن قلت: آمنت بالله، قال لي: كيف تكونين مؤمنة، وأنت شاكة بحكم كذا وكذا. لا أريد أن أشك، أريد أن يكون يقيني جازما، وأن أقطع أن هذا الشيء محرم، وأن هذا الشيء كفر كما قال الله ورسوله. لدرجة وصل الشك بي إلى أن أقول: ما الدليل على أن النظر بشهوة حرام؟ ما الدليل على أن كل ما فيه فتنة محرم؟ وما هي الفتنة المقصودة؟ ما دليل كذا؟ طبعا بمعلوماتي البسيطة لا أعرف الدليل، ولا الأصول، ولا القواعد. وإذا قرأت أقوال العلماء، قال لي: قد يكون اجتهادا منهم. وقد يصيبون، وقد يخطئون، وإذا قرأت الآية من القرآن قال لي: ما يضمن لك أن تفسيرها هو هذا، أو أن المقصود هو ذلك؟ وطبعا أنا لا يوجد لدي أدنى علم لا بالتفسير، ولا بالأصول ولا بالاستنباط، ودائما أقول: ((اللهم الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والحكم لك، اللهم اغفر لي ما علمت، وما لم أعلم. صدق الله ورسوله.)) لا أدري إذا كان ما بي هو الشك المكفر أم هو وسواس؟ ما أسهل أن تقول أعرضي عن الوسواس، وما أشد تطبيقه. لا أستطيع أن أتجاهل إحساسي بأني كافرة. خصوصا وأنا لا أعلم هل ما بي حقيقة أم وسواس. ما أقبح الجهل! اجتمع علي جهل فظيع، ووسواس وشهوة! لا أعرف لماذا أصبحت أتتبع الرخص، وأبحث عن التحليل حتى في الأقوال الشاذة! مجرد ما أحس أن هذا المحرم يمكن أن يصدر مني في يوم ما، أشعر بخفقان في قلبي، وشك في رأسي، ثم أذهب وأبحث عن رخصة، أو أي قول شاذ، وأبحث في خلافات العلماء. وأبحث عن أي طريقة لفعله بدون إثم. ولا أجد صدري ينعم بالحكم، ولا أستطيع أن أقول أنا أؤمن يقينا وأقطع أن هذا حكمه كذا! لا أدري لماذا أصنع ذلك. لماذا إيماني ضعيف إلى هذا الحد. أشعر بأن وسواس الشك أصابني من هذا الباب. أريد عالم دين يشرح لي نواقض الإسلام بالتفصيل، يجيبني بالأدلة الواضحة، يشرح لي مقاصد الشريعة، أريد أن أقتنع لا أريد أن أعيش في دوامة الشك هذه. أرجو قراءتها بتأن، وعرضها على طبيب نفسي، وعالم دين لدراسة الحالة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتملت رسالتك على كثير من الأسئلة، ولا نرى أن سبب ما ذكرت إلا من الوسوسة.
ولا يسعنا الاسترسال معك في جميعها؛ لأن النظام عندنا هو الجواب على سؤال واحد عند تعدد أسئلة السائل.
ولكنا ننصحك بطلب العلم، والإخلاص في ذلك؛ فالعلم النافع يورث خشية الله تعالى، واحرصي على تقوية اليقين بالله تعالى بكثرة التأمل في كتاب الله وتدبر معانيه، وتدبر الآيات الكونية، وتدبر معاني صفات الله تعالى، وكثرة النظر في قصص الأنبياء وفي معجزاتهم، ومما يزيده كذلك كثرة سؤال الله تعالى الإيمان واليقين والهدى، ففي الحديث: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك... ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. وفي الحديث: سلوا الله اليقين والمعافاة؛ فإنه لم يعط أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة. رواه أحمد، وصححه الألباني.
ومما يزيده كذلك مجالسة أهل العلم واليقين.
فقد قال الغزالي في الإحياء: جالسوا الموقنين، واستمعوا منهم علم اليقين، وواظبوا على الاقتداء بهم؛ ليقوى يقينكم، كما قوي يقينهم. اهـ.
وأكثري من الاستغفار، والاستعاذة من الشرك، وأكثري من الدعاء الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر إليه، حيث قال له: والذي نفسي بيده؛ للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره، قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
وعن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: يا أيها الناس؛ اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل. فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه. رواه أحمد، وحسنه الألباني.
وعليك بالإعراض عن الاسترسال مع الشيطان في الوسوسة، فاذا جاءك بالخطرات والوساوس، فبادري باللجوء إلى الله تعالى، والاستعاذة به منه، ومن النفس، فتعوذي منهما بما في حديث مسلم: ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. وبالدعاء الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقد سأله أبو بكر فقال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت، وإذا أمسيت. قال: قل: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه، قلها إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك. رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
وقال الله تعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله {فصلت: 36}
والله أعلم.