عنوان الفتوى : دعاء الشخص بأن يجعله عدمًا
أنا طالب في الثانوية، فهل يجوز أن أدعو الله أن يجعلني عدمًا، وأنا لا أهتم لا بالجنة، ولا بالدنيا، لكني أخاف من النار، والألم بشكل عام، فإذا دعوته بأن أكون عدمًا فهل أنا آثم؟ وهل قد يستجيب لي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن الله تعالى قادر على أن يجعلك عدمًا كأن لم تكن، ولكن لا يجوز الدعاء بتحصيل ذلك؛ لأنه داخل في حيز الاعتداء في الدعاء، جاء في الموسوعة الفقهية: الاِعْتِدَاءُ فِي الدُّعَاءِ: نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الاِعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ بِقَوْلِهِ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: الْمُعْتَدِي هُوَ الْمُجَاوِزُ لِلْحَدِّ، وَمُرْتَكِبُ الْحَظْرِ ... اهـ.
والدعاء بأن يجعلك الله عدمًا، يدخل في الاعتداء في الدعاء من عدة وجوه:
أولهما: أنها دعوةٌ مخترعةٌ، لا أصل لها في الدين، وقد جعل بعض الفقهاء هذا النوع من الاعتداء في الدعاء، قال السيوطي في الحاوي في تفسير الاعتداء في الدعاء: الرَّاجِحَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ تَجَاوُزُ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَوِ اخْتِرَاعُ دَعْوَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ. اهــ.
ثانيهما: أنها دعوة بعدم حدوث ما دل الشرع على حدوثه، فقد دل الشرع على أنك ستبعث، وتجزى بعملك، فلا يجوز أن تدعو بما يخالف ذلك، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ما رأيكم فيمن يقول من باب الدعاء: (الله لا يبعث فلان، أو فلانة)، فهل هذا التلفظ جائز أم حرام، وما نصيحتكم لمن يقول ذلك؟
فأجابت بقولها: هذا اللفظ من الاعتداء في الدعاء، فلا يجوز؛ لأن الله عز وجل قد حكم بأنه سيبعث كل نفس لمجازاتها يوم القيامة، وهذا معلوم من الدين بالضرورة. اهــ.
ثالثها: أنها دعوة بما جرت سنة الله تعالى أنه لا يفعله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: فَالِاعْتِدَاءُ فِي الدُّعَاءِ تَارَةً بِأَنْ يَسْأَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ سُؤَالُهُ مِنْ الْمَعُونَةِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ، وَتَارَةً يَسْأَلُ مَا لَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ، مِثْلَ أَنْ يَسْأَلَ تَخْلِيدَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَوْ يَسْأَلَهُ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ لَوَازِمَ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَيَسْأَلَهُ بِأَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى غَيْبِهِ، أَوْ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ الْمَعْصُومِينَ، أَوْ يَهَبَ لَهُ وَلَدًا مِنْ غَيْرِ زَوْجَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا سُؤَالُهُ اعْتِدَاءٌ لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَلَا يُحِبُّ سَائِلَهُ. اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية: وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَيَحْرُمُ سُؤَال الْعَافِيَةِ مَدَى الدَّهْرِ، وَالْمُسْتَحِيلاَتِ الْعَادِيَّةِ، كَنُزُول الْمَائِدَةِ، وَالاِسْتِغْنَاءِ عَنِ التَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ، أَوْ ثِمَارًا مِنْ غَيْرِ أَشْجَارٍ، كَمَا يَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكُفَّارِ. اهـ.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء سؤالًا، نصه: ينتابني كثيرًا ضيق شديد من الحياة، ومن ابتعاد المسلمين عن دينهم، وأقول مرات عديدة: ليتني لم أولد، وأدعو الله أن يرحمني من العذاب، فكيف أخرج من حالة الضيق؟
فأجابت: لا يجوز للإنسان أن يقول: ليتني لم أُخلق، وإذا أصابه شيء يكرهه، فعليه الصبر، والاحتساب، والقول كما قال الصابرون: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ويشرع أيضًا عند ذلك أن يقول: قّدر الله وما شاء فعل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. أخرجه مسلم في صحيحه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه، وسلم. انتهى.
والله تعالى أعلم.