عنوان الفتوى : قبة الصخرة
نسمع أن هناك قُبة في فلسطين تُسمى قبة الصخرة، فهل هي كما يُقال مُعَلَّقة في الجو أو على قمة جبل أو على الأرض؟
يقول ابن خلدون في مقدمته ص 249 : ” لما كان موسى وبنو إسرائيل في التيه أمره الله باتخاذ قُبة من خشب السَّنط يوضع فيها التابوت والمائدة وبها منائر بقناديل، فبناها ووضع فيها تابوت العهد الذي فيه الألواح التي صُنعت عوضًا عن الألواح المنزلة بالكلمات العشر لما تكسرت، وكانوا يصلون في التيه إلى هذه القبة التي بين خيامهم، ولما دخلوا الشام وبقيت قبتهم قبلتهم وضعوها على الصخرة مكانها فلم يتم له ذلك، فبناه ابنه سليمان واتخذ عُمَده من الصخر وجعل صرح الزجاج وغشَّى أبوابه وحيطانه بالذهب، وصاغ هياكله وتماثيله وأوعيته ومنارته من الذهب…
وتعرَّض بيت المقدس للتخريب على يد بُخْتنَصَر بعد 300 سنة من بنائه، كما خرَّبه آخرون، ولم جاء قُسْطَنطين وتنصرت أمه هيلانة استخرجت الخَشبة التي صُلِبَ عليها المسيح من وسط القمامة، وبنت مكان القمامة كنيسة القمامة أو القيامة كأنها على قبره بزعمهم، وخربت ما وجد من عمارة البيت وأمرت بطرح الزِّبل والقمامات على الصخرة حتى غطتها.
ولمَّا ذهب عمر بن الخطاب إلى الشام وسأل عن الصخرة أزال عنها التراب وبنى عليها مسجدًا يُعرف بمسجد عمر ، ولما جاء الصليبيون هدموها وبنوا عليها كنيسة قام بهدمها صلاح الدين سنة 580هـ وأظهر الصخرة وبنى المسجد مكانها على النحو الذي هو عليه الآن . انتهى ” ابن خلدون تُوفي سنة 880هـ = من مارس 1406م”.
وجاء في كتاب الشعب “مساجد ومعاهد” ج 2 ص 126: أن البطريق دلَّ عمر على الصخرة ليبني مسجدًا وقال: هي التي كلَّم الله عليها يعقوب.
وفي ص 15 وما بعد بقلم د: السيد محمود عبد العزيز سالم: ” أن قُبة الصخرة في وسط الحرم الشريف ببيت المقدس، وكانت موضع احترام الأديان الثلاثة، أنشأها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بشكل ينافس الكنيسة المجاورة، وشرع في بنائها سنة 71هـ (690م) وأتمها سنة 72هـ واختار لبنائها أرفع مكان في ساحة الحرم الشريف وهو المكان الذي قيل إن الرسول صعد منه إلى السماء ليلة الإسراء.
وكان عمر قد أقامه حين زار الشام سنة 16 هـ وأقيم فيه مُصَلَّى من الخَشَب عُرف باسمه، فأمر عبد الملك بإنشاء القُبة على الصخرة المُقدسة، وأطلق عليها أحيانًا اسم جامع عمر “.
ثم يقول:
” قُبة الصخرة بناء حجر مثمن طول ضلعه 20.50 مترًا متوسطة قُبة شديدة الارتفاع مصنوعة من الخشب مُغطاة من الخارج بطبقة من الرصاص. وتقوم على رقبة أسطوانية تتفتح فيها 16 نافذة، وتتكئ الرقبة على دائرة من العقود نصف دائرية، وتقوم العقود بدورها على دائرة من الأعمدة والدعائم، وبين هذه الدائرة من العقود والمثمن الخارجي مثمن أوسط من الأعمدة والدعائم، ويدور بين هاتين الدائرتين من الأعمدة رواقان مُخصصان للصلاة.
والصخرة قطعة من الصخر غير منتظمة طولها 18 مترًا من الشمال إلى الجنوب وعَرْضها 13 مترًا من الشرق إلى الغرب وأكثر أجزائها ارتفاعًا لا يتجاوز مترًا ونصف متر. وفي أسفلها غارٌ كبير بداخله مِحْراب صغير، ويربط أبدان الأعمدة عند منتصفها سياج يفصل بين الأروقة والصخرة، وترتبط تيجان الأعمدة فيما بينها بأوتار خشبية تلافيًا للضغط الناشئ من القُبة.
والجدران الخارجية لقُبة الصخرة تبدو كمثمن طول كل ضلع من أضلاعه الثمانية 12 مترًا ونصف متر، وارتفاعه تسعة أمتار ونصف متر، ويزدان كل ضلع من هذه الأضلاع بسبع طاقات مستطيلة معقودة في أعلاها… وكانت جدران القبة مغطاة قديمًا بتربيعات الفُسَيْفِسَاء، ولكن السلطان سُليمان القانوني استبدل بها سنة 952 هـ (1545م) حشوات من الخزف الرائع . انتهى “.
وقد وصفها الرحالة الفارسي “ناصر خسرو” في النصف الأول من القرن الخامس للهجرة، بما يقرب من ذلك وقال: ” الصخرة أعلى من الأرض بمقدار قامة الرجل، وقد أُحيطت بسياج من الرخام حتى لا تصل يد إليها. والصخرة حجر أزرق لونه لم يطأها أحد برجله أبدًا ومن ناحيتها المواجهة للقبلة، انخفاض كأن إنسانًا سار عليها، فبدت آثار أصابع قدميه فيها كما تبدو على الطين الطري وقد بقيت عليها آثار سبع أقدام، وسمعت أن إبراهيم كان هناك، وكان إسماعيل طفلاً فمشى عليها، وهذه آثار أقدامه. ”
تلك نُبْذَة بسيطة من كتابات كثيرة عن الصخرة والقُبة التي بُنيت عليها ويهمنا أن نعمل على استعادتها من أيدي الغاصبين، وأن تتاح الفرصة لشد الرحال إليها فالصلاة فيها تعدل خمسمائة صلاة فيما سواها كما ورد في الحديث.