عنوان الفتوى : توضيح حول غفران الذنوب بالتسبيح وغيره من الأذكار
من قال سبحان الله وبحمده 100 مرة غفر له ذنبه ولو كان كزبد البحر ـ فعندما أسمع هذا الكلام أستغرب كيف يعذب بعض الناس؟ إن كانت الذنوب جميعها تغفر في دقيقة، فهل هناك شروط لتغفر الذنوب بعد قول هذه العبارة 100 مرة؟ وهل هناك أشخاص لا يقبل تسبيحهم واستغفارهم؟ وهل هناك ذنوب لا تغفر حتى وإن سبحنا الله 100 مرة؟ وما هي الذنوب التي لا تغفر؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلابد من التنبيه أولا على أن رحمة الله تعالى واسعة, وعفوه لا يتعاظمه شيء, فإنه يغفر جميع الذنوب لمن يشاء, كما قال تعالي: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
ثم إن: من قال سبحان الله وبحمده 100 مرة غفر له ذنبه ولو كان كزبد البحر ـ حديث صحيح متفق عليه، لكن مغفرة الذنوب هنا تختص بالصغائر دون الكبائر, يقول المناوي في فيض القدير: والظاهر أن المراد الصغائر كما مر نظائره غير مرة: ولو كانت في الكثرة مثل زبد البحر. انتهى.
أما الكبائر: فإنها لا تمحى إلا بالتوبة الصادقة, كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 326980.
كما أن هذه المغفرة أيضا لا تشمل حقوق الآدميين، يقول العيني في عمدة القاري: قوله: حطت خطاياه ـ أي: من حقوق الله، لأن حقوق الناس لا تنحط إلا باسترضاه؟ الخصوم، قوله: مثل زبد البحر ـ كناية عن المبالغة في الكثرة.
كما نبّه بعض أهل العلم على أن فضائل مثل هذه الأذكار، إنما يناله من استقام على أوامر الله تعالى، أما من كان مقيما على المعاصى, فإنه لا يشمله ذلك, يقول المناوي في فيض القدير: قال ابن بطال: والفضائل الواردة في التسبيح والتحميد ونحو ذلك إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال كالطهارة من الحرام وغير ذلك، فلا يظن ظان أن من أدمن الذكر وأصر على ما شاء من شهواته وانتهك دين الله وحرماته أن يلتحق بالمطهرين المقدسين ويبلغ منازل الكاملين بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح. انتهى.
وبهذا يتضح الجواب على قولك: وهل هناك شروط لتغفر الذنوب بعد قول هذه العبارة 100 مرة؟ وقولك أيضا: وهل هناك ذنوب لا تغفر حتى وإن سبحنا الله 100 مرة؟ وبخصوص قولك: وهل هناك أشخاص لا يقبل تسبيحهم واستغفارهم؟ فالجواب أن قبول الطاعات أمر غيبي لا يمكن الاطلاع عليه, وراجعي الفتوى رقم: 148887.
أما قولك: وما هي الذنوب التي لا تغفر؟ فالجواب أن الذنوب جميعا يمكن أن يغفرها الله تعالى ما عدا الشرك به سبحانه وتعالى، إلا إذا تاب العبد منه، فإنه سبحانه يغفره بمنه وكرمه، قال القرطبي في تفسيره: فإذا كان الله عز وجل يغفر ما دون الكبائر، والنبي صلى الله عليه وسلم يشفع في الكبائر، فأي ذنب يبقى على المسلمين؟ وقال علماؤنا: الكبائر عند أهل السنة تغفر لمن أقلع عنها قبل الموت حسب ما تقدم، وقد يغفر لمن مات عليها من المسلمين، كما قال تعالى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ـ والمراد بذلك من مات على الذنوب، فلو كان المراد من تاب قبل الموت لم يكن للتفرقة بين الإشراك وغيره معنى، إذ التائب من الشرك أيضا مغفور له. انتهى.
والله أعلم.