عنوان الفتوى : ما سبب اختلاف الفقهاء في تحديد سن الثني والجذع؟
المذاهب الأربعة رغم شرطهم المتفق للأضحية كحد أدنى بأن تكون جذعة الضان أو ثنية غيره، ويفسرون المسنة بذلك. اختلفوا في تفسير الثنية والجذعة. فسؤالي: أولا: بأي معيار اختلفوا، هل هو اختلاف النمو البيولوجي لأسنان الأنعام في عصر كل منهم؟ أم اختلاف تجربة كل منهم لحالات الأنعام في بلدهم؟ أم هو ماذا؟ وثانيا: هل نص أحد من الفقهاء على محور الخلاف في تحديد السن للجذعة والثنية؟ وثالثا: إذا كان لاختلافهم معيار ومدار فهل من الممكن إعادة النظر في تحديد السن لا في شرطه بناء على توصل إليه علم الأحياء من بيانات دقيقة جدا في تطور المراحل العمرية للكائنات الحية بدراسات مكثقة؟ ورابعا: هل شرط العقيقة في السن كشرط الأضحية في السن؟ وأخيرا: عندنا شافعي عق عن ولده بمعز أتم سنة، لكنه يقل عن السنتين، وهو الحد الأدنى في مذهبه، وأفتى له عالم من الشافعية بأن العقيقة لم تصح، وتجب الإعادة، فما موقفكم في هذا الفتوى علما باختلاف الأئمة؟
الحمد لله.
أولا:
اتفاق الفقهاء على ما يجزئ في الأضحية
اتفق الفقهاء على أنه لا يجزئ في الأضحية إلا الثني من الإبل والبقر والمعز، والجذع من الضأن.
قال النووي في "المجموع" (8/366): "أجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني، ولا من الضأن إلا الجذع، وأنه يجزئ هذه المذكورات إلا ما حكاه بعض أصحابنا عن ابن عمر والزهري أنه قال: لا يجزئ الجذع من الضأن. وعن عطاء والأوزاعي أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن." انتهى.
ثانيا:
اختلاف الفقهاء في تحديد سن الثني والجذع
ثم اختلفوا في الثني والجذع؛ ما هو؟
جاء في "الموسوعة الفقهية" (5/ 52): "اختلفوا في تفسير الثنية والجذعة:
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أن الجذع من الضأن ما أتم ستة أشهر، وقيل: ما أتم ستة أشهر وشيئا.
وأيا ما كان فلا بد أن يكون عظيما، بحيث لو خلط بالثنايا لاشتبه على الناظرين من بعيد. والثني من الضأن والمعز ابن سنة، ومن البقر ابن سنتين، ومن الإبل ابن خمس سنين.
وذهب المالكية إلى أن الجذع من الضأن ما بلغ سنة (قمرية) ودخل في الثانية ولو مجرد دخول، وفسروا الثني من المعز بما بلغ سنة، ودخل في الثانية دخولا بينا، كمضي شهر بعد السنة، وفسروا الثني من البقر بما بلغ ثلاث سنين، ودخل في الرابعة ولو دخولا غير بين، والثني من الإبل بما بلغ خمسا ودخل في السادسة ولو دخولا غير بين.
وذهب الشافعية إلى أن الجذع ما بلغ سنة، وقالوا: لو أجذع بأن أسقط مقدم أسنانه قبل السنة وبعد تمام ستة أشهر يكفي، وفسروا الثني من المعز بما بلغ سنتين، وكذلك البقر" انتهى.
ثالثا:
سبب اختلاف الفقهاء في تحديد سن الثني والجذع
سبب اختلافهم أن الثني ما سقطت ثنيتاه، وهذا يختلف في الوجود، فقد يسقط ثنيتاه وقد أتم سنة، وقد لا يسقط إلا بعد سنتين، فاختار كل فقيه ما رآه وثبت عنده، وجعل الأمر منضبطا بالسن، ولم يعلقه على سقوط الثنايا.
وأما الجذع، فيعرف بنوم الصوفة على ظهره، أو بنزوه على الأنثى وتلقيحها، وهذا يختلف أيضا، فبنى كل فقيه على ما شاع في الوجود في زمنه.
ولهذا تجد أهل المذهب الواحد يختلفون في تحديد سن الجذع والثني، بل قد يختلف قول الفقيه الواحد في ذلك.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/ 397): " قال أصحابنا: الشاة الواجبة من الإبل هي الجذعة من الضأن، أو الثنية من المعز.
وفى سنها ثلاثة أوجه لأصحابنا مشهورة، وقد ذكر المصنف [أي الشيرازي] المسألة في باب زكاة الغنم: (أصحها) عند جمهور الأصحاب الجذعة: ما استكملت سنة ودخلت في الثانية، والثنية ما استكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة، سواء كان من الضأن أو المعز، وهذا هو الأصح عند المصنف في المهذب.
(والثاني): أن للجذعة ستة أشهر، وللثنية سنة، وبه قطع المصنف في التنبيه، واختاره الروياني في الحلية.
(والثالث): ولد الضأن من شاتين، صار جذعا لسبعة أشهر، وان كان لهرمين فلثمانية أشهر" انتهى.
وفي بيان سبب الاختلاف:
قال أبو موسى المديني في "المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث" (1/ 278):
"الثَّنِيَّة من الغَنَم: ما لها سَنَتَان ودَخَلَت في الثَّالِثَة. وقيل: ما لَهَا سَنَة تَامَّةٌ ودَخَلَت في الثَّانِية. والذَّكَر ثَنِيٌّ. والثَّنِيُّ من البَقَر: ما تَمَّ له ثَلاثُ سِنِين ودَخَل في الرَّابِعَة.
وقِيل على مَذْهَب الِإمام أَحْمد: ما تَمَّ له سَنَة من المَعِز، ودخل في الثَّانِيَة، ومن البَقَر: ما تَمَّ له سَنَتَان ودَخَل في الثَّالِثَة، وأَمَّا من الِإبِل فما تَمَّ له خَمسُ سِنين ودخل في السَّادِسَة.
وقيل: بل لا يَكُون مِنَ الإِبِل ثَنِيًّا حتَّى يُلقِي ثَنِيَّتَيه الرَّاضِعَتَين، وهما المُقدَّمتان ونَبتَت أُخْريَان وذلك في الثَّالِثَة.
قلت: ويَجوزُ أن يَكُونَ اختِلافُهم هذا، إنما حَصَل من حَيث الوُجوُد، لأنه إذا كان إنَّما يُسَمَّى ثَنِيًّا بإسقاط ثَنِيَّتَيه، فقد يَختَلِف ذلك، عَسَى [كذا، ولعلها: حتى] في الِإبِل والبَقَر والغَنَم وغَيرِها كالآدمِي. وقد يَختَلِف سُقوطُ السِّنَّيْنِ ونَباتُهما في أَخَوَيْن؛ فكيف في أَجْنَبِيَّين، والله تعالى أعلم.
والفِعلُ من ذلك أَثنَى يُثنِي، إذا نَبَتَت له ثَنِيَّة. والجَذَع من الضَّأن ينَزُو فَيُلقِح، فلِهذا أُجِيز في الأُضْحِيَّة، ومن المِعْزَى لا يُلقِح حتَّى يَصِيَر ثَنِيًّا. ويقال له عن ذلك مُسِنٌّ ومُسِنَّة. وقيل: الجَذَع من الضَّأن يَجْذَع لثَمانِيَة أَشْهُر".
وقال في (1/ 309): " وذكر الخِرَقي عن أَبِيه: أنَّه سأَل بعضَ أَهلِ البادية: كيف تَعرِفون الضّأنَ إذا أَجذَع؟ قالوا: لا تَزالُ الصُّوفَةُ قائِمةً في ظَهْره ما دام حَمَلًا، فإذا نَامت الصُّوفَة على ظَهْرِه عُلِم أنَّه قد أَجذَع.
وقيل: الجَذَع: ما تَمَّت له سِتَّة أَشْهُر، ودَخَل في السَّابِع، ومن الِإبل: إذا دخَلَت في الخَامِسَة جَذَعَة، لأنها تَجْذَع: أي تَسقُط سِنُّها، والبَقَر يُسَمَّى جَذَعا إذا خَرَج قَرنُه، وهو الذي دخل في السَّنَة الثانية...
قال سَيِّدُنا حَرَسَه الله [يقصد بسيده شيخه أبا القاسم إسماعيل بن مُحَمَّد ابن الفضل الحافظ]: واخْتِلاف أَقوالِهم في ذلك، يَدُلُّك على اخْتِلاف الأَحوالَ والطَّبائعِ، واعتمادِهم في ذلك على الوجدان، كما ذَكَرنَاه في الثَّنِيّ" انتهى.
رابعا:
لو عُلق الثني على ما سقطت ثنيتاه، فهذا جيد، وقد مر النقل عن الشافعية أنه لو أسقط مقدم أسنانه قبل السنة، وبعد تمام ستة أشهر يكفي.
وأما جذعة الضأن فقد يصعب –عند شرائها من الغير- ضبط مسألة نوم الصوفة وكونه ينزو ويُلقِح، فيعتمد في ذلك على السن، ويستحب الخروج من الخلاف، فيختار ما تم له سنة إن تيسر ذلك.
خامسا:
شروط العقيقة
ما يذبح في العقيقة يشترط فيه ما يشترط في الأضحية، من بلوغ السن المعتبرة، والسلامة من العيوب.
قال النووي رحمه الله: "ولا يجزئ فيه ما دون الجذعة من الضأن، ودون التثنية من المعز، ولا يجزئ فيه إلا السليم من العيوب؛ لأنه إراقة دم بالشرع، فاعتبر فيه ما ذكرناه كالأضحية." انتهى من "المجموع" (8/ 426).
سادسا:
مذهب الشافعية في العقيقة بالمعز إذا كان أقل من سنتين
من كان يفتي على مذهب الشافعية، فلا غرابة أن يفتي بعدم إجزاء العقيقة بالمعز إذا كان أقل من سنتين، لكن ينبغي أن يكون جوابه: إن عققت بما تم له سنة، تقليدا لمن يقول بذلك، فلا حرج، وإلا لزمك إعادتها.
وأما نحن فنأخذ بأن الثني من المعز ما تم له سنة، فلو سئلنا لقلنا: صحت عقيقتك.
والله أعلم.