عنوان الفتوى : عوامل إصلاح المجتمع الإسلامي
ما هي عوامل إصلاح المجتمع وجعله مجتمعا إسلاميا في ظل الفرقة والتشرذم الحاصل في هذه الأيام؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعوامل إصلاح المجتمع قد تكفل الله تعالى ببيانها أتم بيان، وقد أوضحتها سورة قصيرة في مبناها عظيمة في معناها، قال عنها الشافعي رحمه الله: لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم ـ وهي سورة العصر، قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر3:1}.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: قوله تعالى: والعصر إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ ـ قَالَ الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ: لَو فكر النَّاس كلهم فِي هَذِه السُّورَة لكفتهم ـ وَبَيَان ذَلِك: أن الْمَرَاتِب أربع، وباستكمالها يحصل للشَّخْص غَايَة كَمَاله، إحداها: معرفَة الْحق.
الثَّانِيَة: عمله بِهِ.
الثَّالِثَة: تَعْلِيمه من لَا يُحسنهُ.
الرَّابِعَة: صبره على تعلمه، وَالْعَمَل بِهِ، وتعليمه.
فَذكر تَعَالَى الْمَرَاتِب الأربع فِي هَذِه السُّورَة، وأقسم سُبْحَانَه فِي هَذِه السُّورَة بالعصر أن كل أحد فِي خسر إلا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات، وهم الَّذين عرفُوا الْحق وَصَدقُوا بِهِ، فَهَذِهِ مرتبَة، وَعمِلُوا الصَّالِحَات، وهم الَّذين عمِلُوا بِمَا علموه من الْحق، فَهَذِهِ مرتبَة أخرى، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، وصّى بِهِ بَعضهم بَعْضًا تَعْلِيمًا وإرشادًا، فَهَذِهِ مرتبَة ثَالِثَة، وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ صَبَرُوا على الْحق، ووصى بَعضهم بَعْضًا بِالصبرِ عَلَيْهِ والثبات، فَهَذِهِ مرتبَة رَابِعَة، وهذا نهاية الْكَمَال، فَإِن الْكَمَال أن يكون الشَّخْص كَامِلًا فِي نَفسه مكملًا لغيره، وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية، فصلاح الْقُوَّة العلمية بالإيمان، وَصَلَاح الْقُوَّة العملية بِعَمَل الصَّالِحَات، وتكميله غَيره بتعليمه إياه، وَصَبره عَلَيْهِ، وتوصيته بِالصبرِ على الْعلم وَالْعَمَل، فَهَذِهِ السُّورَة على اختصارها هِيَ من أجْمَعْ سور الْقُرْآن للخير بحذافيره، وَالْحَمْد لله الَّذِي جعل كِتَابه كَافِيًا عَن كل مَا سواهُ، شافيًا من كل دَاء، هاديًا إلى كل خير. انتهى.
واعلم ـ رحمك الله ـ أن صلاح الفرد طريق إلى صلاح المجتمع، فابدأ بإصلاح نفسك وتهذيبها وأَطرها على الحق أطرًا، ثم ثنِّ بمن ولَّاك الله تعالى أمرهم من أهلك وأبنائك، ومن استطعت من غيرهم، فمُرهم بكل معروف، وانههم عن كل منكر بالحكمة والموعظة الحسنة، واصبر على ما قد يصيبك من الأذى في سبيل ذلك، وراجع لتمام الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 93213، 105390، 12916، 61109، 65335.
والله أعلم.