عنوان الفتوى : الزواج من الأقارب بين الشرع والطب

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل للمشرع أن يمنع زواج الأقارب من ذوي الدرجة الثانية؟ فلقد منع عمر رضي الله عنه زواج المسلمين من الكتابيات، وقد حدد قانون الأحوال الشخصية عمر الزوجين... تعلمون عواقب الزواج من الأقارب والأمراض التي تظهر جيلاً بعد جيل، فلماذا لا يساهم علماء الأمة في التخفيف من نسبة ظهور هذه الأمراض المعيقة؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فزواج الأقارب كأبناء العمومة والخؤولة ونحوهم مما أباحه الله تعالى في قوله: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24]، وقوله تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ [الأحزاب:50]. فجواز نكاح هؤلاء مما لا خلاف فيه بين المسلمين، ولكن العلماء اختلفوا في توصيف هذا الجواز على ثلاثة أقوال: القول الأول: الكراهة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة. القول الثاني: الإباحة، وهو مذهب المالكية. القول الثالث: الندب، وهو قول الظاهرية. فالفريق الأول استدلوا بأحاديث ضعيفة بل ساقطة كحديث: لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا. قال فيه ابن الصلاح: لم أجد له أصلاً معتمداً. واستدلوا من حيث المعنى بأن العداوة لا تؤمن في النكاح، وقد تفضي إلى الطلاق، فإذا كان في القرابة أفضى إلى قطيعة الرحم. أما الفريق الثاني فاستدلوا بعموم قوله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من ابنة عمته زينب، وتزويجه ابنته أم كلثوم ورقية من عتبة وعتيبة ابني عمهما، وتزويجه فاطمة من علي، وتزويجه زينب من ابن خالتها إلخ... أما الفريق الثالث: فأدلتهم نفس أدلة الفريق الثاني؛ إلا أنهم حملوا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا على الندب. والراجح من هذه الأقوال هو القول الثاني لقوته وضعف أدلة القولين الآخرين، فهذا ملخص الحكم الشرعي في الزواج من الأقارب. أما ما ذكره السائل من أن الزواج من الأقارب تنتج عنه أمراض فليس بمُسَـلَّم له بإطلاق، والدراسات الطبية التي أجريت مؤخراً توصلت إلى أن مخاطر تعرض الزوجين من أقارب لولادة أطفال مصابين بتشوهات أو بمرض وراثي تصل إلى سبعة أو ثمانية في المائة، فيما هي قرابه خمسة في المائة للأزواج من غير الأقارب. وأوصت هذه الدراسة الأطباء أن لا يعمدوا على الفور إلى ثني الأقارب عن التزاوج فيما بينهم، وأن ينصحوهم بدلاً من ذلك بإجراء الفحوصات اللازمة قبيل الزواج. جاء ذلك في صحيفة جورنال أوف جينيتيك كاونسلينغ الأمريكية. ويضاف إلى ذلك أن للزواج بالأقارب جوانب إيجابية، منها أنه إذا كان بالأسرة عوامل وراثية ليست في غيرها من الأسر مثل: الذكاء والقوة والجمال، حينئذ يكون الزواج بالأقارب أفضل من الزواج بالأباعد، إذ تظل هذه الأسرة محتفظة بالجينات الصحية المميزة الحاملة لهذه الصفات. والخلاصة أن زواج الأقارب مباح إباحة مطلقة، وليس فيه ضرر عام مطرد، ولا يمكن أن يبيح الله تعالى شيئاً إباحة مطردة مطلقة ثم يكون فيه ضرر عام لكل الناس، وعليه.. فلا يحق لولي الأمر المنع منه بإطلاق، ويمكن أن يقيد ذلك ببعض الحالات؛ كأن تكون الأسرة بها عيب وراثي ظاهر أو خفي يكشف بالفحوصات. والله أعلم.