عنوان الفتوى : مسؤولة الأب في القيام بما يجب عليه تجاه أولاده
عمري 19 سنة، أعيش مع أمي منذ سبع سنين تقريباً، مع العلم أن أبي حي، لكن انتقلت للعيش مع أمي بشرط أن لا يصرف علينا أنا وأخي، وليست له علاقة بنا. كنت حينها صغيرة، تقريبا في ثاني متوسط، وأخي في الثانوية العامة. هو قديم التفكير، أقرب ما يكون إلى جد جدي، منغلق جداً، هجرنا الوالد لفترة دون اتصال، أو زيارة، بحكم أنه لا يريدنا. وبعد فترة عدت للتواصل معه شيئا فشيئا، فاتهم سؤالي عنه بالمصلحة، وطلب مصاريف. فقطعت التواصل معه لفترة، ثم عدت للاتصال، ومحاولة زيارته، لكسب رضا الله أولا، ثم رضاه، لكنه نوعاً ما يصد عنا، وفي الفترة الحالية لا يجيب على رسائلي، ولا اتصالاتي، حاولت كثيرا -والله يشهد- دائما أخبر نفسي أن رضا الله من رضا الوالدين. كنا صغاراً، وهجره لنا منذ البداية هو ما أدى لكرهنا، وهجرنا له الآن، رغم أنه لم يتصل، ولم يسأل عنا. فلماذا يغضب علينا، ويصد عنا، ويتهمنا بالعقوق، واللجوء إليه وقت المصالح!؟ أليست المصالح، والمصاريف والمسؤولية جزء من كونه أبا لنا !! أمي عانت، وتحملت، وما زالت صابرة علينا، وعلى المصاريف، وضحت، وعملت أضعاف ما فعله أبي بكثير !! أعاني كثيرا في حياتي بسببه؛ لأنه ولي أمري، وفي كثير من الأمور يلزم حضوره، لكنه لن يستجيب، ولن يحضر "متبرئ مني أنا وأخي" ماذا يجب علي؟ وما الحكم في وضعي؟ وهل أنا عاقة له؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن الغالب في الوالد الشفقة على أولاده، وحبه لهم، وحرصه على كل ما فيه مصلحتهم، ولذلك من المستغرب مثل هذه التصرفات التي ذكرتها عن والدكم من الهجر، والتبرؤ، وعدم الإنفاق.
والوالد يجب عليه أن ينفق على أولاده بالمعروف، فيجب عليه أن ينفق على البنت حتى تتزوج، وينفق على الذكر حتى يبلغ، كما بينا في الفتوى رقم: 66857. ومن الفقهاء من أوجب عليه نفقة البالغ الفقير، كما هو مبين في الفتوى رقم: 25339.
فامتناع الأب من القيام بما يجب عليه تجاه أولاده، مع قدرته على ذلك، أمر منكر، وموجب للإثم، روى أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالمرء إثما، أن يضيع من يقوت.
ومهما كان الوالد مقصرا، فإن ذلك لا يسقط عن أولاده بره، يدل على ذلك أنه مأمور ببره ولو كان كافرا، جاهدا في رد ولده للكفر، كما قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا{لقمان:15}، وليس هنالك أعظم من الكفر، والسعي في التسبب في كفر الولد.
وقد عقد البخاري في كتابه: الأدب المفرد، بابًا أسماه: باب برّ والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه.
وقد أحسنت بسعيك للتواصل معه عبر الرسائل، أو الاتصال، فجزاك الله خيرا. ونوصيكم بالإكثار من الدعاء أن يلهمه الله تعالى رشده وصوابه، ويصلح حاله، ويمكن أيضا توسيط بعض أهل الخير للصلح بينكم وبينه، وينبغي أن تُلتمس أسباب غضبه، والعمل على إزالتها حسب الإمكان. وإن استمر في الصدود، وتجاهل أمرك، فهو الجاني، وإن لم يحصل منكم تقصير تجاهه، فلا عقوق.
والله أعلم.