عنوان الفتوى : دعوة العصاة باللين لا بالتعنيف
في الفتوى رقم (265573) يذكر فيها مسألة جواز سب العاصي المجاهر بمعصية من باب الغيرة على الدين، وأنا أسأل هل يوجد إجماع بين علماء الدين المسلمين على جواز سب العاصي المجاهر؟ ألا يتنافى ذلك مع مكارم الأخلاق ومقام سيد البشر الرسول صلى الله عليه وسلم لما فيه من تنفير العصاة من الداعية والدين ونشر الكراهية في المجتمع، ونزعة الانتقام ممن يقوم بسب العاصي والتشجيع على معايرة العصاة؟ قرأت في علم النفس ورسائل الإمام ابن حزم أن سب العاصي يجعله عنيدا مع الواعظ ، كما هو مشاهد من أحوال الناس، ثم كيف يقول الله إنه بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ليكمل مكارم الأخلاق ووصفه بالخلق العظيم، وأن لو كان فظا غليظ القلب لبعد الناس عنه، ثم يبيح سب الناس بغض النظر عن أحوالهم لأنهم مجاهرون بذنوبهم؟ ثم كيف يعلم القاضي الشرعي نية من قام بالسب لكي يحكم عليه بالتعزير إذا كان يسب العاصي من باب الدعوة أم من باب الاحتقار لتعويض النقص وعقده الاستعلاء؟ وهل يكفر من يعترض على ذلك على مذهب من قال بجواز سب العاصي المجاهر؛ لكراهيته حكما من أحكام الله؛ لأنه يرى أنه لا يتناسب مع الإنسانية ولا الخلق القويم ولا مقام الرسول صلى الله عليه وسلم سب الناس بهذه الطريقة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نرحب بملاحظات الإخوة السائلين، ونشكرهم على متابعة فتاوانا وملاحظتهم عليها ، ولكن الفتوى المذكورة لم يذكر فيها شيء عن سب المجاهر بالمعصية.
وقد بينا في فتاوى سابقة أن الأسلوب الطيب اللين في مجال الدعوة والإرشاد والتعليم أشد تأثيراً، وأعظم نفعاً من غيره، ولذا كانت الطريقة الأولى هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة والإرشاد؛ مثال ذلك ما دار بينه وبين الفتى الذي سأله أن يبيح له الزنا، فلم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم، بل أقنعه بأسلوب لين حكيم قاطع للحجة، وما حصل له مع المسيء في صلاته فلم يتركه صلى الله عليه وسلم حتى علمه كيفية الصلاة الصحيحة، ولم يعنفه رغم تكرار أخطائه، إلى غير ذلك من الأساليب التي كان ينتهجها صلى الله عليه وسلم في هذا المجال وهو القدوة لسائر الأمة.
ونكتفي بما ذكرنا، ونعتذر عن الاسترسال معك في سؤالاتك، التزاما بنظام الموقع من أن على السائل الاكتفاء بكتابة سؤال واحد فقط، وأن السؤال المتضمن عدة أسئلة، يجاب السائل على الأول منها فحسب.
والله أعلم.