عنوان الفتوى : هل يجوز أن تكتفي المرأة بمسح مقدم الرأس في الوضوء؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا شعري طويل، فهل يجوز لي أن آخذ بقول الإمام أحمد رحمه الله بمسح مقدم الرأس فقط؟ أم إنه تتبع للرخص؟ إن كان نعم، فما بداية ونهاية مقدمة الرأس؟ وإن أخذت بقول الإمام أحمد، فهل يجوز لي ترك مسح البياض بين الشعر والأذن؟ لأنه ليس من مقدم الرأس؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

أولا:

صفة مسح الرأس في الوضوء

ورد مسح الرأس في الوضوء على صفتين :

الأولى: أن يضع يديه بعد بلهما بالماء على مقدم الرأس، ثم يمسح رأسه حتى قفاه، ثم يعود بيديه إلى مقدم رأسه .

وقد ثبت ذلك في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .

روى البخاري (185)، ومسلم (235) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم :  . . ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ .

الصفة الثانية: يمسح جميع رأسه، ولكن باتجاه الشعر، بحيث لا يغير الشعر عن هيئته، فيبدأ من وسط الرأس إلى مقدمه، ثم من وسطه إلى مؤخره .

وهذه الصفة تناسب من كان شعره طويلاً – رجلاً كان أو امرأة- بحيث يخشى انتفاشه بعود يديه .

روى أحمد (26484)، وأبو داود (128) عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها : "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ عِنْدَهَا، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ". حسنه الألباني في "صحيح أبي داود".

والمراد بقرن الشعر هنا أعلى الرأس، أي : يَبْتَدِئ الْمَسْح مِنْ الأَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ .

( كُلّ نَاحِيَة ) : أَيْ فِي كُلّ نَاحِيَة ، بِحَيْثُ يَسْتَوْعِب مَسْح جَمِيع الرَّأْس عَرْضًا وَطُولا .

(لِمُنْصَبِّ الشَّعْر ) : الْمَكَان الَّذِي يَنْحَدِر إِلَيْهِ وَهُوَ أَسْفَلَ الرَّأْس .

قَالَ الْعِرَاقِيّ : وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئ الْمَسْح بِأَعْلَى الرَّأْس، إِلَى أَنْ يَنْتَهِي بِأَسْفَلِهِ ؛ يَفْعَل ذَلِكَ فِي كُلّ نَاحِيَة عَلَى حِدَتهَا . اِنْتَهَى .

وهذه الصفة قررها الإمام أحمد بالنسبة للمرأة.

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/87) : " فإن كان ذا شعر يخاف أن ينتفش برد يديه : لم يردهما. نص عليه أحمد، فإنه قيل له : من له شعر إلى منكبيه , كيف يمسح في الوضوء ؟ فأقبل أحمد بيديه على رأسه مرة , وقال : هكذا . كراهية أن ينتشر شعره . يعني أنه يمسح إلى قفاه ولا يرد يديه .

وإن شاء مسح، كما روي عن الرُّبَيِّع، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها , فمسح رأسه كله من فرق الشعر، كل ناحية لِمُنْصَبِّ الشَّعْر، لا يحرك الشعر عن هيئته) رواه أبو داود .

وسئل أحمد كيف تمسح المرأة؟ فقال: هكذا. ووضع يده على وسط رأسه، ثم جرها إلى مقدمه، ثم رفعها فوضعها حيث منه بدأ، ثم جرها إلى مؤخره .

وكيف مسح بعد استيعاب قدر الواجب أجزأه " انتهى.

فإذا كان شعرك طويلا تخافين انتشاره بالصفة الأولى، فإنك تمسحين الرأس على الصفة الثانية.

ثانيا:

هل للمرأة أن تكتفي بمسح مقدم الرأس؟

ورد عن الإمام أحمد أن المرأة لها أن تكتفي بمسح مقدم الرأس.

قال ابن قدامة رحمه الله:

" وممن قال بمسح البعض الحسن والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي.

إلا أن الظاهر عن أحمد - رحمه الله -، في حق الرجل، وجوب الاستيعاب، وأن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها. قال الخلال: العمل في مذهب أحمد أبي عبد الله: أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها. وقال مهنا: قال أحمد: أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل. قلت له: ولم؟ قال: كانت عائشة تمسح مقدم رأسها" انتهى من "المغني"(1/ 91).

وعلى هذه الرواية، فمقدم الرأس هو قدر الناصية، ولا يلزم مسح البياض الذي فوق الأذن.

قال ابن قدامة في الموضع السابق: " وإذا قلنا بجواز مسح البعض، فمن أي موضع مسح أجزأه؛ لأن الجميع رأس، إلا أنه لا يجزئ مسح الأذنين عن الرأس؛ لأنهما تبع، فلا يجتزئ بهما عن الأصل، والظاهر عن أبي عبد الله أنه لا يجب مسحهما، وإن وجب الاستيعاب؛ لأن الرأس عند إطلاق لفظه إنما يتناول ما عليه الشعر.

واختلف أصحابنا في قدر البعض المجزئ، فقال القاضي: قدر الناصية؛ لحديث المغيرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح ناصيته.

وحكى أبو الخطاب، وبعض أصحاب الشافعي، عن أحمد: أنه لا يجزئ إلا مسح أكثره؛ لأن الأكثر ينطلق عليه اسم الشيء الكامل" انتهى.

والذي يظهر أنه لا حرج لو أخذت بهذا، واكتفيت بمسح مقدم الرأس، وقد صح عن ابن عمر أنه كان يمسح مقدم رأسه مرة واحدة، رواه ابن أبي شيبة (1/ 22).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفي الباب أيضا عن عثمان في صفة الوضوء قال: ومسح مقدم رأسه، أخرجه سعيد بن منصور، وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك مختلف فيه.

وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس، قاله ابن المنذر وغيره، ولم يصح عن أحد من الصحابة إنكار ذلك، قاله ابن حزم. وهذا كله مما يتقوى به المرسل المتقدم ذكره. والله أعلم" انتهى من "فتح الباري" (1/ 293).

والمرسل هو ما رواه الشافعي من حديث عطاء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فحسر العمامة عن رأسه، ومسح مقدم رأسه.

قال ابن حجر: " وهو مرسل، لكنه اعتضد بمجيئه من وجه آخر موصولا، أخرجه أبو داود من حديث أنس، وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله. فقد اعتضد كل من المرسل والموصول بالآخر، وحصلت القوة من الصورة المجموعة" انتهى.

وينظر: جواب السؤال رقم: (147140). 

وبهذا يتبين أن هذا القول له قوة،  فمن أخذ به لم يكن متبعا للرخص، لكن الأحوط أن تمسحي الرأس كاملا، على الصفة الأولى أو الثانية.

وينظر للفائدة، في حكم المسح على الخمار: جواب السؤال رقم:(148129). 

والله أعلم.