عنوان الفتوى : هل الوعيد الوارد في حق رسم ذوات الأرواح يشمل الرسام والمصور أم يشمل من يقتنيها ويعلقها؟
المعلوم بأن حكم رسم ذوات الأرواح محرم، وأن فاعله من أشد الناس عذابًا يوم القيامة، وأن حكم اقتناء أو تعليق لوحات ذوات الأرواح محرم، لكن هل حديث : (أشد الناس عذابًا..) يشمل مقتنيها ومُعلقها؟ أو من وضعها كصورة شخصية في حسابات مواقع التواصل الاجتماعي؟ وهل يكون سواء مع الفاعل في شدة العذاب؟
الحمد لله.
أولا:
رسم صور ذوات الأرواح محرم تحريماً شديدا
رسم صور ذوات الأرواح محرم تحريما شديدا، وهو من كبائر الذنوب؛ لما ورد فيه من اللعن والوعيد. ومن ذلك:
ما روى البخاري (2225) عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا) .
فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ!!
فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ.
ورواه مسلم (2110) بلفظ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا؛ فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ) .
وقَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ.
وروى البخاري (5347) عن أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: (لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُصَوِّرِينَ).
وروى البخاري (6109)، ومسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي البَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ، وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ).
ثانيا:
هل الوعيد خاص بالمصور؟
هذا الوعيد خاص بالمصورين، سواء كانت الصورة نحتا أو رسما، ولا يدخل في ذلك من اقتنى الصورة ، وإن كان فعله محرما.
فلا يستوي من رسم الصورة، ومن اقتناها، لكننا مأمورون بطمس الصور، وعدم إبقائها؛ لما روى مسلم (969) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: (أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ).
وفي رواية : (وَلَا صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا).
فيأثم من لم يطمس الصورة المحرمة. وطمسُها يكون بقطع رأس التمثال، وإزالة ملامح الصورة، أو هتك القماش كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثا:
ضابط الصورة المحرمة؟
ينبغي أن يُعلم أن الصورة المحرمة هي الصورة الكاملة، فإن كانت الصورة نصفية أو قطع منها ما لا تبقى معه الحياة، لم تعد صورة محرمة، في قول جمهور الفقهاء.
والذي ينبغي: الابتعاد عن رسم الرأس مطلقا، وإن لم يكن معه سائر الجسم، ولا ما لا تبقى الحياة بدونه؛ فعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( الصُّورَةُ الرَّأْسُ فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَلَيْسَ بِصُورَةٍ.) . رواه البيهقي في "سننه" (14974) .
وينظر جواب السؤال رقم:(297648)، ورقم:(221847).
ما يستثنى من التصوير والرسم المحرم
وكذلك يستثنى:
1-ما رسمه الأطفال، أو صُور لهم، ولو كان مجسما كاملا.
2-ما خلا من الملامح، كرسم وجه بلا عينين وأنف.
3- الصورة الرقمية إذا التقطت بهاتف أو جهاز أو كاميرا، ولو عرضت على شاشة، ما لم تطبع على شيء ثابت كالورق .
قال الشيخ ابن عثيمين: " والصُّور بالطُّرُقِ الحديثة قسمان:
الأول: لا يَكُونُ له مَنْظَرٌ ولا مَشْهَد ولا مظهر، كما ذُكِرَ لِي عن التصوير بِأَشرطة الفيديو، فهذا لا حُكْمَ له إطلاقاً، ولا يَدْخُل في التحريم مطلقاً، ولهذا أجازه العلماء الذين يَمْنَعونَ التّصوير على الآلة الفوتوغرافية على الورق وقالوا: إن هذا لا بأس به" انتهى من "الشرح الممتع" (2/197).
وينظر في بيان هذه المستثنيات: جواب السؤال رقم:(294365).
وعليه ؛ فمن التقط صورة رقمية ثم وضعها في حسابه على الواتس أو الفيسبوك، لم يكن مصوِّرا، ولا مستعملا صورة محرمة.
والله أعلم.