عنوان الفتوى : حكم البيع لمن يسدد الثمن من مال حرام

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

كنت قد أرسلت لكم

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فباب الورع باب واسع، فيدخل فيه ترك الشبهات، بل وترك بعض الحلال احتياطا، قال الحارث المحاسبي في المكاسب والورع والشبهة في وصف الروع: ترك أربعة أشياء، شيئان واجب تركهما، وشيئان ترك أحدهما استبراء خوف أن يكون مما كره الله عز وجل، والآخر يترك احتياطا وتحرزا، فأما الشيئان الواجب تركهما فأحدهما ما نهى الله عز وجل من العقد بالقلب على الضلال والبدع والغلو في القول عليه بغير الحق ولا يعتقد إلا الصواب، والآخر ما نهى الله عز وجل عنه من الأخذ والترك من الحرام بالضمير والجوارح، وأما أحد الشيئين الآخرين فترك الشبهات خوف مواقعة الحرام وهو لا يعلم، استبراءً لذمته لتمام الورع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ترك الشبهات استبرأ لذمته ودينه وعرضه، من واقع الشبهات فكأنما واقع الحرام... وأما الشيء الرابع: فترك بعض الحلال الذي يخاف أن يكون سببا وذريعة إلى الحرام، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يكون العبد من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس. اهـ.
ولذلك، فإن من الورع: التورع عن قبض ثمن المبيع من هبة مأخوذة من عين المال الحرام، ولكن باب الفتوى لا يبنى على الورع، وإنما يبنى على ظاهر الحلال والحرام، وقد أشار السائل إلى أن قبول أخيه لهبة من فائدة ربوية، هو نفسه محل خلاف بين أهل العلم، فإن منهم من ذهب إلى أن المال الحرام بسبب طريقة كسبه لا لذاته، يكون محرما على مكتسبه فقط، وأما من اكتسبه منه بطريق مباحة فلا يحرم عليه، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: عن رجل يعمل في بنك يتعامل بالربا، فزار قرابة له وجاء معه بهدايا من طعام وملابس لأولئك القرابة، فما حكم استعمال أولئك القرابة لهذه الملابس وأكلهم لهذا الطعام هل يحل لهم أم يحرم عليهم؟ فأجاب: يحل لهم أن يأكلوا، لأن من كسب مالاً على وجه محرم وليس المال محرماً لعينه، فإنه يجوز لمن أخذه منه بطريق شرعي أن يأكل منه، وهؤلاء أخذوها بطريق شرعي وهو الهدية. اهـ.

وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 104631، 273013، 244777.

فإذا كان هذا في حق من يباشر قبول مثل هذه الهدية، فما بالنا بمن يتعامل معه؟! ويتأكد هذا في حق من يعتقد حل قبول مثل هذه الهبة، أو يقبلها متأولا أو مقلدا لفتوى من أفتاه بالجواز، فإن التعامل معه لا حرج فيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المسلم إذا عامل معاملة يعتقد هو جوازها وقبض المال، جاز لغيره من المسلمين أن يعامله في مثل ذلك المال وإن لم يعتقد جواز تلك المعاملة... ولهذا قال العلماء: إن الكفار إذا تعاملوا بينهم بمعاملات يعتقدون جوازها وتقابضوا الأموال ثم أسلموا كانت تلك الأموال لهم حلالا، وإن تحاكموا إلينا أقررناها في أيديهم سواء تحاكموا قبل الإسلام أو بعده... والمسلم إذا عامل معاملات يعتقد جوازها كالحيل الربوية التي يفتي بها من يفتي من أصحاب أبي حنيفة وأخذ ثمنه، أو زارع على أن البذر من العامل، أو أكرى الأرض بجزء من الخارج منها، ونحو ذلك، وقبض المال، جاز لغيره من المسلمين أن يعامله في ذلك المال وإن لم يعتقد جواز تلك المعاملة بطريق الأولى والأحرى، ولو أنه تبين له فيما بعد رجحان التحريم لم يكن عليه إخراج المال الذي كسبه بتأويل سائغ. اهـ.

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: هذه العقود ليست بدون بيع الكفار للخمر، وقد جاز لنا معاملتهم بأثمانها للإقرار عليها، فإقرار المسلم على اجتهاده أو تقليده أجوز، وذلك أنه إذا اعتقد الجواز واشترى فالمال في حقه معفو عنه، وكذلك لو انتقل هذا المال إلى غيره بإرث أو هبة أو هدية أو غير ذلك. اهـ. 
وعلى ذلك، فإذا ملكت هذه الشقة وجاز لك التصرف فيها, فلا مانع من بيعها لأخيك، ولو كان سيسدد الثمن من المال المذكور، وإنما الواجب عليك هو مناصحة أمك برفق ولين وخفض للجناح، كي تترك التعامل مع البنوك الربوية رأسا.

وأخيرا ننبه على أن الفوائد الربوية التي يتخلص منها أصاحبها بدفعها للفقراء والمحتاجين، يجوز لأخيك قبولها إن كان فقيرا أو محتاجا إليها، يأخذ منها بقدر حاجته، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 325714.

والله أعلم.