عنوان الفتوى : قرار المجمع الفقهي في موضوع: المتاجرة بالهامش
سؤالي عن ما جاء في بحث الدكتور محمد علي القري المنشور على موقع رابطة العالم الإسلامي بتاريخ: 1-03-1427م، بعنوان: تجارة الهامش ونصه كالآتي: الخلاصة: نخلص من ذلك كله إلى الاختلاف في حكم تجارة الهامش على قولين: الأول: لا تجوز، لأن فيها بيع وسلف، وهو ممنوع، ولأن فيها شرط عدم القبض، وهو مفسد للبيع، وأن فيه شبهة القرض بزيادة في عدة مواضع من برنامجها المعتاد. والثاني: لتجارة الهامش عدة صور بعضها يجوز وبعضها غير جائز، ومن صورها الجائزة: إذا الشراء والبيع فيهما يجري في يوم واحد وكان ما يقتضيه مقدم الخدمة لا يزيد عن أجرة المثل، لأن الجمع بين البيع والسلف لا يكون مفسداً إلا بوجود المحاباة والحال أن الشراء للسلع والأسهم من السوق، فلا محاباة، وإن وجد فيها شرط عدم القبض فهو غير مفسد لها لا القبض الذي هو مقصود العقد موجود ولكن بإجراء إضافي، والقبض الموجود فيها قبض حكمي، وأن القرض المقدم من السمسار على صفة الهامش أو في البيع القصير في العملات له صيغتان فمن أخد بالصيغة الأولى: أن يقول المقرض للمقترض إن رددت القرض اليوم فلا شيء عليك ـ فلا شيء عليه، إذ لا يشترط فيها الزيادة فليس فيها شبهة الربا، ومن أخذ بالثانية ـ أن يقول المقرض للمقترض إن رددت القرص اليوم فلا شيء عليك، وإن رددته غدا فعليك دفع فائدة ـ لم يجز له، لأن رسم المبيت فائدة على القرض، رأينا في المسألة: يرى الكاتب ما يراه أصحاب الرأي الثاني، وهو جواز صورة واحدة لهذه وهي المتقيدة بالشروط المذكورة التجارة بالشروط المذكورة ـ والله تعالى أعلم وأحكم ـ فهل يجوز لي الأخذ بالرأي الثاني عند القدرة على تحقيق شروطه بالتعامل مع هذه الشركة في تجارة العملة بالهامش تحت الظروف الآتية: 1ـ لا توجد رسوم للتبييت أي لا توجد فوائد، وتتيح التمويل ليوم واحد. 2ـ مقدم القرض هو البنك وليس شركة الوساطة. 3ـ شركة الوساطة تقوم بدفع فوائد للبنك على القروض المقدمة للعملاء، ولكنها لا تتقاضى من العميل سوى أجرها المتمثل في الفرق بين سعر البيع والشراء، وهو نفس ما تتقاضاه في حالة المضاربة بأموالي الخاصة، ولا توجد أي زيادة مستترة في السعر، حيث إنها تبيع بالسعر المعلن بين كافة الشركات والبنوك العالمية. 4ـ عند إغلاق الصفقات يتم قيد الربح للحساب أو خصم الخسارة من الحساب مباشرة وفي حالة الربح يمكن التقدم مباشرة بطلب سحب الأرباح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى وجه الإجمال: لا حرج على العامي إذا عمل بتقليد فتوى من يثق به من أهل العلم المؤهلين للفتوى، إذا غلب على ظنه أنها تصيب الحق، وتوافق أدلة الشرع، ولم يقلدها عن هوى وعصبية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أفتي بغير علم... وفي رواية: من أفتي بفتيا غير ثبت ـ كان إثمه على من أفتاه. رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
وانظر الفتوى رقم: 16179.
وأما بخصوص المسألة الواردة في السؤال: فقد سبق لنا بيان أنه لا يجوز عقد صفقة عن طريق الاقتراض من الوسيط المالي، إذا اشترط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، لأن المقرض هنا يجني من وراء القرض فوائد مشروطة في عقد القرض، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 330133، وتجد فيها بندا من بنود قرار مجلس المجمع الفقهـي المتعلق بهذا الموضوع.
وحقيقة الحال المذكورة في السؤال تؤول إلى ذلك، لأن البنك لا يمول العميل إلا عن طريق الوسيط، وبذات الشرط السابق، وهو أن تكون تجارته عن طريقه، ويزيد الأمر هنا وضوحا بكون هذا القرض ربويا صرفا بين البنك والشركة الوسيطة، وهي من تقوم بدفع الفائدة الربوية للبنك على القروض المقدمة للعملاء -كما جاء في السؤال- فلا يصح أن يقال حينئذ: لا علاقة للوسيط بالقرض! كما لا يخفى أن العميل هو السبب الحقيقي في حصول هذا القرض الربوي المحرم، فلولاه لم يحصل.
وللفائدة نسوق إليك قرار المجمع كاملا في هذا الموضوع: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من: 10-14/3/1427هـ الذي يوافقه: 8-12 إبريل 2006م، قد نظر في موضوع: المتاجرة بالهامش، والتي تعني دفع المشتري ـ العميل ـ جزءاً يسيراً من قيمة ما يرغب شراءه يسمّى ـ هامشاً ـ ويقوم الوسيط ـ مصرفاً أو غيره ـ بدفع الباقي على سبيل القرض، على أن تبقى العقود المشتراة لدى الوسيط، رهناً بمبلغ القرض، وبعد الاستماع إلى البحوث التي قدمت، والمناقشات المستفيضة حول الموضوع، رأى المجلس أن هذه المعاملة تشتمل على الآتي:
1ـ المتاجرة ـ البيع والشراء بهدف الربح ـ وهذه المتاجرة تتم غالباً في العملات الرئيسية، أو الأوراق المالية ـ الأسهم والسندات ـ أو بعض أنواع السلع، وقد تشمل عقود الخيارات، وعقود المستقبليات، والتجارة في مؤشرات الأسواق الرئيسة.
2ـ القرض، وهو المبلغ الذي يقدمه الوسيط للعميل مباشرة إن كان الوسيط مصرفاً، أو بواسطة طرف آخر إن كان الوسيط ليس مصرفاً.
3ـ الربا، ويقع في هذه المعاملة من طريق ـ رسوم التبييت ـ وهي الفائدة المشروطة على المستثمر إذا لم يتصرف في الصفقة في اليوم نفسه، والتي قد تكون نسبة مئوية من القرض، أو مبلغاً مقطوعاً.
4ـ السمسرة، وهي المبلغ الذي يحصل عليه الوسيط نتيجة متاجرة المستثمر ـ العميل ـ عن طريقه، وهي نسبة متفق عليها من قيمة البيع أو الشراء.
5ـ الرهن، وهو الالتزام الذي وقعه العميل بإبقاء عقود المتاجرة لدى الوسيط رهناً بمبلغ القرض، وإعطائه الحق في بيع هذه العقود واستيفاء القرض إذا وصلت خسارة العميل إلى نسبة محددة من مبلغ الهامش، ما لم يقم العميل بزيادة الرهن بما يقابل انخفاض سعر السلعة.
ويرى المجلس أن هذه المعاملة لا تجوز شرعاً للأسباب الآتية:
أولاً: ما اشتملت عليه من الربا الصريح، المتمثل في الزيادة على مبلغ القرض، المسماة ـ رسوم التبييت ـ فهي من الربا المحرم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ { البقرة: 278ـ 279}.
ثانيا: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة ـ السمسرة ـ وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع، المنهي عنه شرعاً في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يحل سلف وبيع... الحديث رواه أبو داود ـ3ـ384 ـ والترمذي ـ3ـ526ـ وقال : حديث حسن صحيح ـ وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم.
ثالثاً: أن المتاجرة التي تتم في هذه المعاملة في الأسواق العالمية غالباً ما تشتمل على كثير من العقود المحرمة شرعاً ومن ذلك:
1ـ المتاجرة في السندات، وهي من الربا المحرم، وقد نص على هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم: 60ـ في دورته السادسة.
2ـ المتاجرة في أسهم الشركات دون تمييز، وقد نص القرار الرابع للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة سنة: 1415هـ، على حرمة المتاجرة في أسهم الشركات التي غرضها الأساسي محرم، أو بعض معاملاتها ربا.
3ـ بيع وشراء العملات يتم غالباً دون قبض شرعي يجيز التصرف.
4ـ التجارة في عقود الخيار وعقود المستقبليات، وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم: 63 ـ في دورته السادسة، أن عقود الخيارات غير جائزة شرعاً، لأن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه.. ومثلها عقود المستقبليات والعقد على المؤشر.
5ـ أن الوسيط في بعض الحالات يبيع ما لا يملك، وبيع ما لا يملك ممنوع شرعاً.
رابعاً: لما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة، وخصوصاً العميل ـ المستثمر ـ وعلى اقتصاد المجتمع بصفة عامة، لأنها تقوم على التوسع في الديون، وعلى المجازفة، وما تشتمل عليه غالباً من خداع وتضليل وشائعات، واحتكار ونجش وتقلبات قوية وسريعة للأسعار، بهدف الثراء السريع والحصول على مدخرات الآخرين بطرق غير مشروعة، مما يجعلها من قبيل أكل المال بالباطل، إضافة إلى تحويل الأموال في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصاديا، وقد تؤدي إلى هزات اقتصادية عنيفة تلحق بالمجتمع خسائر وأضرار فادحة.
ويوصي المجمع المؤسسات المالية باتباع طرق التمويل المشروعة التي لا تتضمن الربا أو شبهته، ولا تحدث آثاراً اقتصادية ضارة بعملائها أو بالاقتصاد العام كالمشاركات الشرعية ونحوها، والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ـ انتهى من مجلة المجمع الفقه الإسلامي: العدد 22 ص: 229.
والله أعلم.