عنوان الفتوى : يقرأ الكتب، ويسمع المحاضرات، ويعاني من نسيانها.
أنا شاب أقرأ كتب علم نفس، وكتب دينية تعليمية، وكتب عن الأديان بشكل عام، وأُشاهد فيديوهات تعليمية، ومحاضرات دينية .... الخ ، ولكني بعد الانتهاء من قراءة الكتاب أو من الاستماع الى محاضرة ما بعد أسبوع لا أستطيع استحضار شيئا مما قرأته، أو سمعته، مع أنه يترسخ في ذهني، وأقوم بتطبيقه، ولكن إن أردت أن أُعّلم شخص ما أو أن أقول له مقولة أو حديثا أو آية قرأتها لا أستطيع استحضارها، فإن سمعت أول كلمة أو كلمتين أتذكرها فوراً، فهل ما يحصل معي شيء طبيعي يحصل مع الجميع، أم إنني أُعاني من ضعفٍ في الذاكرة أو مشكلةٍ ما؟ للتوضيح : أنا مثلاً قرأت عن كيفية الصلاة الصحيحة، وتعلمت واجباتها وأركانها وسننها، وأنا ـ الحمد لله تعالى ـ أصلي صلاة صحيحة إن شاء الله تعالى، ولكن إن قال لي شيخٌ ما أن أذكر أركان أو واجبات أو سنن الصلاة، فأقول له لا أعرف مع إني أطبقها عملياً.
الحمد لله.
أولا:
الغاية من العلم بنصوص الكتاب والسنة هي اتباعها والعمل بها، فإذا حقق المسلم هذا العمل، فلا حرج عليه إن نسي عبارات هذه النصوص وألفاظها، إن كان قد وقرت معانيها في قلبه، كما نص العلماء على ذلك في أعظم واجبات الدين ، وهو توحيد الله تعالى .
قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى:
" لم ينتفع قائل لا إله إلا الله بنطقه بها مجردا إلا حيث يستكملها أي: هذه الشروط السبعة، ومعنى استكمالها اجتماعها في العبد والتزامه إياها بدون مناقضة منه لشيء منها.
وليس المراد من ذلك عد ألفاظها وحفظها؛ فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها، ولو قيل له: اعددها لم يحسن ذلك، وكم حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم، وتراه يقع كثيرا فيما يناقضها، والتوفيق بيد الله، والله المستعان" انتهى من "معارج القبول" (2/418).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" فالواجب على جميع المسلمين أن يحققوا هذه الكلمة بمراعاة هذه الشروط، ومتى وجد من المسلم معناها والاستقامة عليه فهو مسلم حرام الدم والمال، وإن لم يعرف تفاصيل هذه الشروط لأن المقصود هو العلم بالحق والعمل به وإن لم يعرف المؤمن تفاصيل الشروط المطلوبة " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (7/58).
وما يقال في الإيمان يقال في سائر تكاليف الشريعة.
وأما الحفظ لتفاصيل الشرع فإنما يؤمر به من تصدر لتبليغ الناس ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من أمور الكفاية، إذا قام به بعض أفراد الأمة، سقط الإثم عن الباقي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" لا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانا عاما مجملا، ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل فرض على الكفاية، فإن ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله به رسوله، وداخل في تدبير القرآن وعقله وفهمه، وعلم الكتاب والحكمة، وحفظ الذكر والدعاء إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعاء إلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ونحو ذلك مما أوجبه الله عليه المؤمنين، فهذا واجب على الكفاية منهم " انتهى من "درء تعارض العقل والنقل" (1/51).
ثانيا:
ما وصفته من حالك، ليس فيه ما يدعو للقلق، فإن مجرد سماع الشخص للمحاضرة، أو مجرد مطالعة الكتاب، مع ما يحيط بنا في هذا الزمن من ملهيات، وكثرة ما يراه الإنسان ويسمعه في يومه، وما تمر عليه من الأحداث، كل هذا لا شك أنه يسرّع عملية النسيان لما يسمعه الإنسان أو يطالعه، وكثرة المعلومات ينسي بعضها بعضا، فالغالب أن الإنسان يبقى في ذهنه بعض معاني ما سمع أو طالع، وتغيب عنه الألفاظ، فإذا ذُكّر تذكر.
ولكن تثبيت المعلومات في الذهن لأطول مدة، وسرعة استحضار ألفاظها، سبيل كل هذا هو الحفظ وكثرة التكرار والمذاكرة.
والذاكرة كسائر أعضاء الجسم تقوى وتشتد بمتابعة العناية بها، والاعتماد عليها، وتضعف إن أهملت ولم تعوّد الحفظ.
ويحسن لمزيد الفائدة مطالعة جواب السؤال رقم: (3328)، ورقم: (38594).
والله أعلم.