عنوان الفتوى : تغيير علي رضي الله عنه لكلمة "نيروز" بكلمة "فيروز"
سمعت شيخًا يلقي خُطبة عن عيد الميلاد وأطلق عليه "كريشميش"، وقال من السنّة أن نلفظ أعياد الكفّار بطريقة خاطئة، وقال : إنّ عليّا سمّى نيروز فهروز، ألا يندرج ذلك تحت الإستهزاء؟
الحمد لله.
هذا الأثر رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (19 / 168)، قال: أخبرَنا أبو عبدِ اللهِ الحافظُ، حدثنا أبو العباسِ محمدُ بنُ يَعقوبَ، حدثنا الحَسَنُ بنُ على بنِ عَفّانَ، حدثنا أبو أُسامَةَ، عن حَمّادِ بنِ زَيدٍ، عن هِشامٍ، عن محمدِ بنِ سيرينَ قال:
" أُتِىَ علىٌّ بهَديَّةِ النَّيروزِ، فقالَ:
ما هَذِهِ؟ قالوا: يا أميرَ المُؤمِنينَ! هذا يَومُ النَّيرُوزِ. قال: فاصنَعوا كُلَّ يَومٍ
فيروزَ.
قال أبو أُسامَةَ: كَرِهَ أن يَقولَ: نَيروزُ".
وهذا إسناد رواته ثقات، إلا أن ابن سيرين كان صغيرا زمن خلافة علي رضي الله عنه؛ لأنه ولد قبل خلافته بسنتين.
إلا أن أهل العلم يقوون مراسيل ابن سيرين، حتى إن ابن عبد البر رحمه الله تعالى نقل الإجماع على ذلك؛ حيث قال رحمه الله تعالى:
" أجمع أهل العلم بالحديث أن ابن سيرين أصح التابعين مراسيل، وأنه كان لا يروي ولا يأخذ إلا عن ثقة، وأن مراسيله صحاح كلها، ليس كالحسن وعطاء في ذلك. والله أعلم " انتهى من "التمهيد" (8 / 301).
والحاصل:
أن الأثر ثابت .
وفيه بيان شدة مبالغة علي رضي الله عنه في مخالفة المجوس في عيدهم، كما قال راوي الأثر أبو أُسامَةَ: " كَرِهَ أن يَقولَ: نَيروزُ".
لكن ذكر هذا العيد، أو غيره من أعياد المشركين، باسمه لا حرج فيه؛ لأن عليا رضي الله عنه لم ينكر على مخاطبيه تسميتهم لهذا العيد المجوسي باسمه؛ ولأن نصوص الشرع ذكرت أشياء من خصائص أهل الكفر، كأسماء أصنامهم مثلا، وهي أشد من مجرد العيد ؛ ومع ذلك لم تغير شيئا في حروفها، أو أسمائها.
والذي يليق بفقه وخلق علي رضي الله عنه أن دافعه في هذا التعبير إنما هو مفارقة الباطل وصيانه النفس عنه، ولا يتصور في هذا التعبير أنه من الاستهزاء المنهي عنه؛ لأن هذه الأعياد الشركية من الباطل الذي لا حرمة له أصلا ، ويجب تنفير المسلمين منها.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (3 / 248):
" فمن المطلوب: الاستخفاف بالكافر لكفره، والمبتدع لبدعته، والفاسق لفسقه. وكذلك الاستخفاف بالأديان الباطلة والملل المنحرفة، وعدم احترامها، واعتقاد ذلك بين المسلمين أفرادا وجماعات، إذا علم تحريفها، وهذا من الدين؛ لأنه استخفاف بكفر أو بباطل " انتهى.
وإنما تجتنب مثل هذه التعبيرات إذا كانت تؤدي إلى مفسدة ، وذلك إذا بلغت الكفار، مثلا ، فقابلوها بالإساءة إلى شعائر الإسلام، أو السخرية منها ، كما في قول الله تعالى:
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام/108.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين - مع كون السب غيظا وحمية لله ، وإهانة لآلهتهم - لكونه ذريعة إلى سبهم الله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى ، أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم.
وهذا كالتنبيه ، بل كالتصريح ، على المنع من الجائز ؛ لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز " انتهى من"إعلام الموقعين" (5 / 5).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ينهى الله المؤمنين عن أمر كان جائزا ، بل مشروعا في الأصل، وهو سب آلهة المشركين، التي اتخذت أوثانا وآلهة مع الله، التي يتقرب إلى الله بإهانتها وسبها.
ولكن لما كان هذا السب طريقا إلى سب المشركين لرب العالمين، الذي يجب تنزيه جنابه العظيم عن كل عيب، وآفة، وسب، وقدح - نهى الله عن سب آلهة المشركين، لأنهم يحمون لدينهم، ويتعصبون له. لأن كل أمة، زين الله لهم عملهم، فرأوه حسنا، وذبوا عنه، ودافعوا بكل طريق، حتى إنهم ليسبون الله رب العالمين، الذي رسخت عظمته في قلوب الأبرار والفجار، إذا سب المسلمون آلهتهم ...
وفي هذه الآية الكريمة، دليل للقاعدة الشرعية، وهي أن الوسائل تعتبر بالأمور التي توصل إليها، وأن وسائل المحرم، ولو كانت جائزة: تكون محرمة، إذا كانت تفضي إلى الشر " انتهى من"تفسير السعدي" (ص 268 – 269).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |