عنوان الفتوى : دفع إيهام الاضطراب عن آيتين من كتاب الله
هل صحيح أنه إذا تعارضت آيات القرآن نرجع إلى السنة لفك التعارض كما في التعارض بين قوله تعالى: ( فاقراوا ما تيسر من القرآن)"المزمل18" وقوله تعالى: (وإذا قرى القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) "الأعراف204"، وللتعارض بين الأيتين لجأنا للسنة والأخذ بقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له)، -سؤال في قراءة المأموم خلف الإمام أرجو الإجابة عليه اليوم للضرورة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فجواب سؤالك الثاني عن القراءة خلف الإمام تجده في الفتوى رقم: 2281. أما مسألة تعارض آيات القرآن، واللجوء للسنة لفك هذا التعارض، فالجواب أنه لا يوجد -بحمد الله- تعارض حقيقي لأن القرآن منزل من حكيم حميد خبير، وقد قال الله تعالى عن كتابه العزيز: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82]. وما يظهر من تعارض بين بعض آيات القرآن الكريم إنما هو تعارض في أذهان بعض الناس وليس له حقيقة في الواقع، وقد عني عدد من العلماء بالتوفيق بين ما يظهر فيه التعارض، من أواخرهم العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه القيم "دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب" وهو ملحق بكتابه الفذ "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن". أما السنة فلا يقال إنه يلجأ لها لفك التعارض في القرآن، وإنما يلجأ لها باعتبارها بياناً للقرآن، كما في الآية 44 من سورة النحل: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، لأن السنة مبينة للقرآن تفسر غامضه، وتفصل مجمله، وتخصص عامه، وتقيد مطلقه إلى غير ذلك من وظائفها مع القرآن، والآيتان المذكورتان في السؤال ليس بينهما تعارض، لأن آية المزمل نزلت في القدر الذي يقرأ به في صلاة الليل، فمهما قلت القراءة في التهجد حصلت بها فضيلة قيام الليل مع التفاوت في الأجر بين المقل والمكثر، وآية الأعراف في وجوب الإنصات حال سماع القرآن يتلى خاصة في الصلاة الجهرية على المأموم. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله 4/439: ثم قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ.... [المزمل:20]، أي تارة هكذا وتارة هكذا، وذلك كله من غير قصد منكم ولكن لا تقدرون على المواظبة على ما أمركم به من قيام الليل لأنه يشق عليكم، ولهذا قال: وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أي تارة يعتدلان، وتارة يأخذ هذا من هذا، وهذا من هذا، علم أن لن تحصوه أي الفرض الذي أوجبه عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن أي من غير تحديد بوقت، أي ولكن قوموا من الليل ما تيسر، وعبر بالصلاة عن القراءة كما في سورة الإسراء: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أي بقراءتك، : وَلا تُخَافِتْ بِهَا وللاستزادة راجع تفسير الآيتين المسؤول عنهما في تفسير ابن كثير أو الطبري أو غيرهما من التفاسير المعتمدة. والله أعلم.