عنوان الفتوى : الترهيب من الاتهام بالزنا، وحكم تزوج الفتاة بغير رضا الأم
أبي متوفى منذ كان عمري سبع سنوات، وأنا أبلغ من العمر 26 سنة. منَّ الله علي بلبس الحجاب، والصلاة منذ صغري، والحمد الله. منذ وفاة أبي وأنا أرى تغير علاقتنا بالناس، وأصبحوا ينظرون إلينا مرة شفقة، ومرة ازدراء، وأصبحت أحاديث الناس عن علاقات أمي غير الشرعية (الزنا والعياذ بالله) إلى أن رأيت ذلك بأم عيني، وأنا في سن 13 تقريبا. ووالدتي لا تعلم أني رأيتها إلى هذه الساعة. ومرة أخرى بعد سنوات من تلك الحادثة، سمعتها أختي الصغرى تتحدث على الهاتف أنها أجهضت جنينا. ومنذ سنة استوقفتني امرأة في الشارع، وطلبت مني أن أقنع والدتي بعدم الاتصال بزوجها. دارت بي الدنيا، لم أدر ما أفعل، تمنيت لو أن الأرض تنشق وتبلعني، ولا أسمع ذلك. هذا قليل من كثير. ومنذ سنة أراد خطبتي شاب من قريتنا، لكن أباه رفض؛ لأن سمعة عائلتنا سيئة، لكن الشاب تقي يخاف الله، ويعلم أنه ليس لي ذنب فيما فعله غيري، ويريد أن يتزوجني. علما أني لم أستطع أن أقول لوالدتي حقيقة رفض والده، وأخبرتها أنه يريد تزويجه ببنت عمته. لكن والدتي ترفض هذا الشاب؛ لأن والده رفض، ولأنه ليس له مسكن خاص، وليس ميسور الحال. هل أخبرها أن والده رفض بسبب أفعالها هي، أم ماذا؟ وكيف أوجهها في حال أصرت على رفضه؟ أفتوني بارك الله فيكم، إن بي من الألم ما يفوق الجبال، والحمد الله على كل حال.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، أن يفرج كربك، وييسر أمرك، ويحفظك في دينك ودنياك، ويزيدك هدى وتقى، وصلاحا، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك.
ونوصيك بالاستعانة بالصبر، وتقوى الله عز وجل، فقد قال الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90}، فقد نال يوسف عليه السلام المنحة بعد المحنة. واحرصي أيضا على الإكثار من الدعاء، فهو سلاح المؤمن الذي يحقق به بإذن الله مبتغاه، والرب تبارك وتعالى أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، فقال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وانظري الفتوى رقم: 119608.
واعلمي أن من أخطر الأمور الاتهام بالزنا، ويتأكد المنع من هذا في حق الأم. وعلى فرض أنها قد وقعت في الزنا فيما مضى، فقد تكون تابت إلى الله وأنابت، وما ذكرته أختك، أو ذكرته هذه المرأة، يبقى دعوى تحتاج إلى بينة، والأصل السلامة من كل ما يشين، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ... {الحجرات:12}.
وعلى فرض كون أمك على ما اتهمت به، فلا يجوز لك أن تذكري لها أن تصرفاتها سبب رفض هؤلاء الناس، ففي هذا إيذاء لها، وإيذاؤها نوع من العقوق، اللهم إلا أن يكون في إخبارها إصلاح وردع لها عن المنكرات التي تمارسها إن ثبت ذلك. وراجعي في ضابط العقوق، الفتوى رقم: 299953.
وإذا كان هذا الشاب صالحاً، فاجتهدي في سبيل إقناع أمك بالموافقة على زواجه منك، واستعيني عليها ببعض الفضلاء، فإن وافقت، فالحمد لله. وإن امتنعت، ولم يكن لها مسوغ شرعي لرفضه، فيجوز لك الزواج من غير رضاها، واجتهدي بعد في رضاها. هذا مع العلم بأن الزواج لا يجوز إلا بولي، والولاية إلى العصبات، فلا تكون المرأة -أما أم غيرها- وليا للفتاة. وإذا عضل الولي، فللمرأة أن ترفع الأمر إلى السلطان، وراجعي الفتوى رقم: 52230.
وننبه هنا إلى أن كون هذا الرجل ليس له مسكن خاص، أو أنه ليس ميسور الحال، لا يمنع شرعا من قبوله زوجا.
وفي نهاية المطاف إن لم يتيسر زواجه منك، فلا تيأسي، بل سلي ربك أن يبدلك من هو خير منه. ونوصيك بأمك خيرا، واحرصي على برها وكسب رضاها، عسى أن يعينك ذلك على التأثير عليها بتعليمها أمر دينها، وتربيتها على الإيمان وطاعة الرحمن.
والله أعلم.