عنوان الفتوى : مسألة قتل الجماعة بالواحد
إذا اتفق اثنان أو ثلاثة أو مجموعة من الناس على ضرب رجل حتى الموت، ونفذوا ذلك وهم يتعمدون الضرب والقتل، فهل يقام حد القتل على المجموعة كلها؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا اشترك جماعةٌ من الناس في قتل معصومٍ عمدا، فإنهم يُقادون به جميعا ـ أي يقام حد القصاص عليهم جميعا ـ قال ابن رشد في بداية المجتهد: وَأَمَّا قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، فَإِنَّ جُمْهُورَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ قَالُوا تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ، سَوَاءٌ كَثرَتِ الْجَمَاعَةُ أَوْ قَلَّتْ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا ـ وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ: لَا تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ... اهــ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ إِذَا قَتَلُوا وَاحِدًا اقْتُصَّ مِنْهُمْ جَمِيعًا، قَالُوا: لأِنَّ زُهُوقَ الرُّوحِ لاَ يَتَجَزَّأ، وَاشْتِرَاكَ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لاَ يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُل فِي حَقِّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَيُضَافُ إِلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ، قَالُوا: وَلإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً بِمَدِينَةِ صَنْعَاءَ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَتَرَكَ عِنْدَهَا ابْنًا لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَاتَّخَذَتْ لِنَفْسِهَا خَلِيلاً، فَاجْتَمَعَ عَلَى قَتْل الْغُلاَمِ خَلِيل الْمَرْأَةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، وَالْمَرْأَةُ وَخَادِمُهَا، فَقَطَعُوهُ أَعْضَاءً وَأَلْقَوْا بِهِ فِي بِئْرٍ ثُمَّ ظَهَرَ الْحَادِثُ وَفَشَا بَيْنَ النَّاسِ، فَأَخَذَ أَمِيرُ الْيَمَنِ خَلِيل الْمَرْأَةِ فَاعْتَرَفَ، ثُمَّ اعْتَرَفَ الْبَاقُونَ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ اقْتُلْهُمْ، وَقَال: وَاللَّهِ لَوْ تَمَالأَ عَلَيْهِ أَهْل صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ جَمِيعًا ـ وَكَذَلِكَ قَتَل عَلِيٌّ ثَلاَثَةً بِوَاحِدٍ، وَقَتَل الْمُغِيرَةُ سَبْعَةً بِوَاحِدٍ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمْ، قَالُوا: وَلأِنَّ الْقَتْل بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ، وَالْقِصَاصُ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ، فَيُجْعَل كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْمُنْفَرِدِ، فَيَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الإْحْيَاءِ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَلَزِمَ سَدُّ بَابِ الْقِصَاصِ وَفَتْحُ بَابِ التَّفَانِي، إِذْ لاَ يُوجَدُ الْقَتْل مِنْ وَاحِدٍ غَالِبًا، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. اهــ.
وإذا عفا ولي الدم وطلب الدية، فإنهم يؤدون دية واحدة، ولولي الدم أن يعفو عن بعضهم ويأخذ منه حصته من الدية ويقتل البقية، قال ابن قدامة في المغني: إذَا اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فِي قَتْلِ رَجُلٍ، فَقَطَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ، وَالْآخَرُ رِجْلَهُ، وَأَوْضَحَهُ الثَّالِثُ، فَمَاتَ، فَلِلْوَلِيِّ قَتْلُ جَمِيعِهِمْ، وَالْعَفْوُ عَنْهُمْ إلَى الدِّيَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهَا، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ وَاحِدٍ، فَيَأْخُذَ مِنْهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَيَقْتُلَ الْآخَرَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ اثْنَيْنِ، فَيَأْخُذَ مِنْهُمَا ثُلُثِي الدِّيَةِ، وَيَقْتُلَ الثَّالِثَ. اهـ.
والله أعلم.