عنوان الفتوى : حجز مكان في المسجد والمرافق العامة.. رؤية شرعية أدبية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

متى يحل حجز المكان في المحاضرات، مراكز الدروس؟ وهل يقاس على حجز الأماكن في المسجد؟ مثلا إذا حان وقت الصلاة ووقت الدرس هل يجوز إرسال من يحجز؟ وإذا كنت في الكلية، والمركز على بعد 10 دقائق. هل يجوز أن أبعث أحدا مبكرا ليحجز لنا، ثم يعود حتى يحين موعد الدرس. وأخيرا إذا كان أحدهم حجز لي مكانا هل يحل الجلوس فيه؟ وجزاكم الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فأماكن الجلوس في المحاضرات ونحوها، مما يباح الانتفاع به لجميع أهله دون تمييز، تُعطَى حكم ما يعرف بالمنافع المشتركة، أو المرافق العامة، كالطرق، ومنازل الأسفار، ومقاعد الأسواق، والمساجد، فلا يختص بها فرد دون آخر، بل لجميع أهلها الانتفاع بالمرور أو الجلوس فيها، وعند التزاحم يكون الحق فيها لمن سبق إليها.

 جاء في (الموسوعة الفقهية): اتفق الفقهاء على أن المرافق العامة -من الشوارع والطرق، وأفنية الأملاك، والرحاب بين العمران، وحريم الأمصار، ومنازل الأسفار، ومقاعد الأسواق، والجوامع والمساجد، والأنهار التي أجراها الله سبحانه وتعالى، والعيون التي أنبع الله ماءها، والمعادن الظاهرة وهي التي خرجت بدون عمل الناس كالملح، والماء، والكبريت، والكحل وغيرها، والكلأ - اتفقوا على أن هذه الأشياء من المنافع المشتركة بين الناس، فهم فيها سواسية، فيجوز الانتفاع بها للمرور والاستراحة، والجلوس، والمعاملة، والقراءة، والدراسة، والشرب والسقاية، وغير ذلك من وجوه الانتفاع. ... ويكون الحق فيها للسابق حتى يرتحل عنها، لقوله صلى الله عليه وسلم: منى مناخ من سبق إليها. اهـ.
وينص فقهاء الشافعية على أن منفعة الجلوس في المسجد للتدريس والإفتاء ونحو ذلك، حكمها حكم انتفاع المحترف بالجلوس في الطريق لمزاولة حرفته، فيقدم السابق إليه.

  قال القاضي زكريا الأنصاري في (منهج الطلاب): منفعة الشارع مرور، وكذا جلوس لنحو حرفة إن لم يضق .. وقدم سابق ... أو من مسجد لنحو إفتاء، فكمحترف .. اهـ.
وقد اختلف أهل العلم في حكم حجز مكان في المسجد بسجادة ونحوها، وقد سبق لنا ذكر هذا الخلاف في الفتويين: 96918، 307117.
واختلف العلماء أيضا في حكم رفع نحو هذه السجادة والجلوس مكانها.

  قال ابن قدامة في (المغني): إن فرش مصلى له في مكان، ففيه وجهان:

أحدهما: يجوز رفعه، والجلوس في موضعه؛ لأنه لا حرمة له، ولأن السبق بالأجسام، لا بالأوطئة والمصليات، ولأن تركه يفضي إلى أن صاحبه يتأخر، ثم يتخطى رقاب المصلين، ورفعه ينفي ذلك.

والثاني: لا يجوز؛ لأن فيه افتياتا على صاحبه، ربما أفضى إلى الخصومة، ولأنه سبق إليه، فكان كمحتجر الموات. اهـ.
وهذا الخلاف كما يجري في حجز الأماكن في المسجد، كذلك يجري في غيره من المنافع المشتركة.

  قال الشيخ محمد الخضر الشنقيطي في (كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري): وفي معناه مَنْ سبق إلى موضع من الشوارع، ومقاعد الأسواق لمعاملة ...

قال ابن أبي جمرة: هذا اللفظ عام في المجالس، ولكنه مخصوص بالمجالس المباحة إما على العموم كالمساجد، ومجالس الحكام والعلم، وإما على الخصوص كمن يدعو قومًا بأعيانهم إلى منزله لوليمة ونحوها ..

والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حق المسلم المؤدي للضغائن، والحث على التواضع المقتضي للموادة، وأيضًا فالناس في المباح كلهم سواء، فمن سبق إلى شيء استحقه، ومن استحق شيئًا فأخذ منه بغير حق فهو غصب، والغصب حرام، فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة، وبعضه على سبيل التحريم. اهـ.
وهذا تنبيه حسن، فالحكم يختلف بحسب المكان وجلالته، والغاية من حضوره، ثم بحسب جريان العرف بمثل هذا الحجز وعدمه، والأولى والأورع على أية حال هو عدم الحجز. وينبني على ترجيح الجواز من عدمه، الجواب على قول السائل: (إذا حجز لي أحدهم مكانا، هل يحل الجلوس فيه؟)

فإن كان الحجز نفسه جائزا، فلا بأس من الجلوس في المكان المحجوز له، وإن كان الحجز ممنوعا، فلا حق له في له الجلوس فيه بموجب هذا الحجز السابق.

والله أعلم.